مقدمة
في عالم كرة القدم الحديثة، لم يعد الظهير مجرد مدافع على الأطراف، بل بات عنصرًا محوريًا في بناء اللعب وتوليد الزخم الهجومي. ويُعد اللاعب المغربي أشرف حكيمي أحد أبرز النماذج التي تجسد هذا التطور. في المباراة الأخيرة التي جمعت بين باريس سان جيرمان وريال مدريد، قدّم حكيمي أداءً متكاملًا من الناحية الفنية، ساهم فيه بتفوق باريس الساحق، ليس عبر الأهداف أو التسديدات، بل من خلال التحولات، وصناعة الفرص، والتحكم في الجبهة اليمنى.
هذا التحليل يُسلط الضوء على أداء أشرف حكيمي من منظور تكتيكي عميق، مستندًا إلى الإحصائيات الدقيقة لتحركاته ولمساته، من أجل تقديم صورة متكاملة عن دوره المحوري في هذا الانتصار.
الشق الأول: الدور الهجومي لحكيمي
1. المشاركة في بناء الهجمة
بلغ عدد التمريرات الناجحة التي نفذها حكيمي في المباراة 76 تمريرة، معظمها من الجانب الأيمن، مما يعكس بوضوح دوره في تنظيم اللعب والانطلاق نحو الهجوم من هذه الجبهة. وبهذا، يتبين أن حكيمي لم يكن مجرد منفذ للكرات النهائية، بل هو أحد المفاتيح التي تبدأ منها التحولات الهجومية للفريق.
2. التقدم بالكرة وخلق الخطورة
-
9 تمريرات تقدمية نفذها خلال اللقاء، ما يشير إلى مساهمته المباشرة في كسر خطوط دفاع ريال مدريد.
-
أضاف إلى ذلك مراوغتين تقدميتين ناجحتين (Progressive Carries)، وهو ما يبرز قدرته على المساهمة بحمل الكرة والتقدم بها لمساحات مؤثرة.
-
ورغم عدم تسديده على المرمى، إلا أن 3 تمريرات مفتاحية (Key Passes) نحو منطقة الجزاء تثبت أنه كان صانعًا للفرص بامتياز.
3. التمركز في الثلث الهجومي
بالنظر إلى تحركاته، فإن أغلب لمساته كانت في الجهة اليمنى من الثلث الهجومي، حيث نفّذ:
-
25 تمريرة في الثلث الأخير من الملعب.
-
2 تمريرة داخل منطقة الجزاء.
هذا التمركز يُظهر مدى ثقة الفريق في حكيمي كأداة اختراق منظمة، وقدرته على خلق العرضيات أو التمريرات العكسية التي تكسر دفاعات الخصم.
الشق الثاني: الالتزام الدفاعي والتوازن التكتيكي
1. قراءة التحولات
رغم أن أدواره كانت هجومية إلى حد كبير، إلا أن حكيمي أظهر وعيًا دفاعيًا واضحًا في لحظات التحول. حيث نفذ:
-
3 استرجاعات للكرة (Ball Recoveries) في مواقع حساسة، وهو ما يدل على تمركزه الجيد عند فقدان الكرة.
2. الاعتراضات والتدخلات
-
لم يقم بأي اعتراض مباشر (Interceptions)، ما يُحتمل أن يكون نتيجة لنهج الفريق الذي ركز على الضغط الجماعي أكثر من اللعب الفردي في الوسط.
-
قام بتدخل دفاعي ناجح واحد، مقابل تدخل غير ناجح، مما يُظهر توازنًا في مواجهاته الفردية دون إفراط في المجازفة.
-
قطع تمريرة واحدة في العمق، وسجل مشاركة واحدة ناجحة في صراع هوائي.
3. التحرك الذكي والوعي التكتيكي
الحفاظ على التوازن بين المهام الهجومية والدفاعية كان أحد أبرز سمات أداء حكيمي. لم يتقدم بطريقة عشوائية، بل تواجد في اللحظات المناسبة، سواء للتمرير أو للتغطية، وهو ما أراح المنظومة الدفاعية الباريسية، وقلّل من الضغط على ثنائي قلب الدفاع.
الشق الثالث: توزيع التمريرات والاعتماد عليه في المنظومة
1. عدد الاستلامات ودلالاتها
استلم حكيمي الكرة 81 مرة خلال اللقاء، وهو رقم كبير جدًا بالنسبة لظهير. يدل ذلك على كثافة اعتماده في صناعة الهجمات من الجهة اليمنى، وثقة الزملاء به كمنفذ للكرة بشكل آمن.
2. نوعية التمريرات
-
معظم التمريرات التي استلمها كانت في المنطقة الوسطى من الجناح الأيمن، أي أنه كان دائمًا في موضع جاهزية لاستلام الكرة، وإما التقدم بها أو تدويرها.
-
هذه الاستلامات تُشير إلى محورين رئيسيين في دوره:
-
توسيع الملعب أفقيًا لفتح الثغرات.
-
خلق زوايا تمرير للعمق تتيح لباقي اللاعبين مثل فيتينيا ومبابي التحرك داخل منطقة الجزاء بحرية.
-
الخلاصة الفنية والتكتيكية
من خلال تحليل أداء أشرف حكيمي في مواجهة ريال مدريد، يمكن استخلاص النقاط التالية:
-
كان أحد أهم محاور بناء اللعب في باريس سان جيرمان، ليس فقط من خلال التمريرات، بل بالمساهمة في تحريك الكرات للأمام وكسر الخطوط الدفاعية.
-
التوازن بين الدفاع والهجوم كان عاملًا رئيسيًا في نجاحه. لم يتخلَ عن مسؤولياته الدفاعية، لكنه عرف متى يتقدم ومتى يتراجع.
-
التحركات الذكية والاستلامات في مراكز دقيقة تُظهر تطورًا كبيرًا في وعيه التكتيكي، وتحوله إلى لاعب جماعي يعمل ضمن منظومة شاملة.
إن أداء حكيمي في هذه المباراة يُعد نموذجًا مثاليًا لما يجب أن يكون عليه الظهير العصري، القادر على الجمع بين الفاعلية الهجومية والالتزام الدفاعي دون اختلال في التوازن.
توصيات فنية لمدرب باريس بناءً على هذا الأداء
-
الاعتماد على حكيمي في التحولات السريعة، خصوصًا عندما يضغط الفريق المنافس بخط دفاع متقدم.
-
زيادة التغطية خلفه عند تقدمه، حتى لا يُترك فراغ في الجبهة اليمنى.
-
تنويع أدواره بين التمريرات العرضية والتقدم بالكرة بنفسه، ما يخلق نوعًا من الحيرة للمدافعين حول طريقة إيقافه.
خاتمة
أشرف حكيمي لم يكن مجرد لاعب جيد في تلك الليلة الأوروبية، بل كان أحد ركائز التفوق الباريسي على ريال مدريد. أداؤه يُشير إلى نضج تكتيكي وشخصية قوية داخل الملعب. في عالم يبحث فيه كل نادٍ عن ظهير متكامل، يُثبت حكيمي مرة أخرى أنه أحد الأفضل في مركزه على مستوى العالم.