ريال مدريد يسقط أمام باريس سان جيرمان في كأس العالم للأندية في هزيمة تاريخية تؤكد تفوق باريس

ريال مدريد يسقط أمام باريس سان جيرمان في كأس العالم للأندية في هزيمة تاريخية تؤكد تفوق باريس


في ليلة ستبقى محفورة في ذاكرة جماهير كرة القدم حول العالم، وبينما كانت التوقعات تشير إلى مواجهة متكافئة بين عملاقين أوروبيين، سقط ريال مدريد سقوطًا مدويًا أمام باريس سان جيرمان بنتيجة قاسية بلغت أربعة أهداف دون مقابل. المباراة التي أقيمت على أرضية ملعب ميتلايف في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، لم تكن مجرد هزيمة ثقيلة في النتيجة فحسب، بل كانت عارًا تكتيكيًا وبدنيًا وتاريخيًا لفريق يحمل الرقم القياسي في البطولات الأوروبية. وبينما كان الجميع يترقب تألق كيليان مبابي في ظهوره الأول أمام فريقه السابق، خطف لاعب آخر الأضواء وهو فابيان رويز الذي سجل هدفين وصنع ملحمة كروية عصرية.

لم تكن فقط هزيمة، بل كانت نزعًا لهالة ريال مدريد. هالة بُنيت عبر عقود من المجد الأوروبي سقطت دفعة واحدة في أربعٍ وعشرين دقيقة فقط، ليجد الميرينغي نفسه على الهامش أمام باريس سان جيرمان الذي بات يبدو وكأنه السيد الجديد لكرة القدم العالمية. فكيف حدث هذا الانهيار؟ وما وراء الهيمنة الفرنسية؟ وهل هي نهاية مرحلة وبداية أخرى؟

أولا: قراءة في تفاصيل المباراة

المباراة بدأت بسيناريو لا يُصدّق. منذ الدقائق الأولى، بدا باريس سان جيرمان وكأنه يعرف تمامًا ماذا يريد من هذه المباراة. انتشر لاعبوه بذكاء، وفرضوا أسلوبهم عبر التمريرات القصيرة والضغط العالي، مستغلين تردد مدافعي ريال مدريد وميل خط الوسط إلى الانكماش دون سبب تكتيكي واضح.

في الدقيقة السادسة، بدأت المذبحة. خطأ دفاعي فادح من راؤول أسينسيو في قراءة عرضية قادمة من الجهة اليسرى من بيرالدو، استغله ديمبيلي بعد أن ارتدت الكرة من كورتوا، لتصل إلى فابيان رويز الذي لم يتردد في وضعها داخل الشباك.

بعد ثلاث دقائق فقط، وتحديدًا في الدقيقة التاسعة، ارتكب أنطونيو روديغر خطأ قاتلًا بتمرير الكرة بشكل عشوائي في مناطق خطرة، ليخطفها ديمبيلي وينطلق كالسهم من مسافة 40 ياردة ويضعها قوية لا تُرد في الزاوية البعيدة للحارس البلجيكي.

وبعد 15 دقيقة فقط من الهدف الثاني، أنهى باريس سان جيرمان عمليًا ما تبقى من أمل لدى جماهير ريال مدريد. هجمة مرتدة مثالية، بدأها حكيمي وتبادل خلالها الكرة مع ديمبيلي، قبل أن تصل إلى رويز مجددًا الذي راوغ فالفيردي وسدد من داخل منطقة الجزاء ليحرز هدفه الثاني، والثالث لفريقه، ويؤكد أن ما يحدث ليس مجرد كبوة لريال مدريد، بل كارثة مكتملة الأركان.

ثانيًا: تحطيم الأسطورة المدريدية

ريال مدريد دخل اللقاء مثقلاً بعوامل متعددة، أبرزها رحلة شاقة من فلوريدا في توقيت غير مثالي، وسط ظروف مناخية قاسية بلغت حرارتها أكثر من 33 درجة مئوية، مع نسبة رطوبة جعلت الأجواء خانقة. لكن حتى تلك المبررات لا تُفسر الانهيار الكلي في الخطط والروح.

المدرب أنشيلوتي بدا عاجزًا أمام طوفان باريس، غير قادر على تحريك دكة البدلاء أو ضبط الانفعالات داخل أرض الملعب. لم يظهر الفريق الملكي بأي ردة فعل حقيقية، وكانت النتيجة واضحة قبل نهاية الشوط الأول.

المؤلم أن باريس سيطر على الكرة بنسبة 76.5% في أول 45 دقيقة، رقم يعكس حجم الفجوة الفنية بين الفريقين، والتي تتناقض مع تاريخ ريال مدريد القائم على الهيمنة والخبرة. لم يسدد الفريق الإسباني تسديدة واحدة على مرمى دوناروما خلال الشوط الأول، فيما اكتفى بالتراجع والتكتل، وكأنه فريق صغير يُجبر على الدفاع أمام أحد أندية الصف الثاني، لا بطل أوروبا المتوج 15 مرة.

ثالثًا: أداء اللاعبين بين الغياب والانهيار

بعيدًا عن الأخطاء الفردية لراؤول أسينسيو وروديغر، بدا واضحًا أن خط وسط ريال مدريد كان أكثر خطوط الفريق هشاشة. فالفيردي وبييلينغهام لم يقدما أي دعم دفاعي يذكر، بينما افتقد الفريق إلى وجود لاعب قادر على ضبط الإيقاع أو نقل الكرة إلى مناطق الخصم.

الأمر الأكثر إحباطًا تمثل في أداء كيليان مبابي، الذي لم يشكل أي تهديد يُذكر أمام فريقه السابق. بدا غير متحمس، غير منسجم، وربما متأثرًا نفسيًا بالمناسبة. هل هي رهبة اللحظة؟ أم حنينٌ مبكر لفريقه السابق؟ في كلتا الحالتين، لم يكن مبابي هو اللاعب الذي اعتاد العالم رؤيته حين يكون متحفزًا.

دخول لوكا مودريتش في الدقيقة 64 أعاد بعض النظام لخط الوسط، لكن الأوان كان قد فات. بدا وكأن وجوده شرفي، أشبه بوداع أخير أكثر من كونه محاولة لقلب النتيجة. أما إيدير ميليتاو، فعودته كانت رمزية أكثر من كونها حاسمة، خاصة وأن الفريق قد انهار نفسيًا وبدنيًا.

رابعًا: باريس سان جيرمان يعيد تعريف نفسه

على الجهة المقابلة، باريس سان جيرمان لعب مباراة مثالية على المستويين الذهني والتكتيكي. الأداء الجماعي كان مدهشًا. التمركز، التمرير، الضغط، وحتى التناوب الهجومي، كلها كانت علامات فريق ناضج فنيا، يعلم كيف يقتل المباريات من بدايتها.

فابيان رويز، الذي غالبًا ما كان يُوصف بلاعب الظل، خرج إلى النور كمحور رئيسي في هذا الانتصار التاريخي. لعب دور لاعب الوسط المتقدم بخفة، وتحول إلى مهاجم خفي يقتنص الفرص ويُربك دفاعات الخصم. لم يكتف بالتسجيل بل كان نقطة توازن بين خط الوسط والهجوم، وقدم نموذجًا نادرًا للاعب الذي لا يتوقف عن الجري والتحرك والضغط.

ديمبيلي، بدوره، قدم مباراة تقترب من الكمال. مراوغاته، تمريراته، قراراته داخل الصندوق، كلها كانت محسوبة. مع حكيمي، شكّل ثنائية فتاكة على الجهة اليمنى لم يستطع أي من لاعبي ريال مدريد التعامل معها.

أما غونسالو راموس، فقد أنهى اللقاء بالهدف الرابع في الدقيقة 87، مستفيدًا من انهيار تام للمنظومة الدفاعية للريال، ومؤكدًا أن الفريق الفرنسي لم يأت إلى البطولة لمجرد المشاركة، بل جاء ليحصد كل شيء.

خامسًا: تبعات كارثية على ريال مدريد

هذه الهزيمة تفتح أبوابًا من الشك داخل جدران ريال مدريد. أولها يتعلق بتوقيت التعاقد مع مبابي، الذي يبدو أنه لن يكون المنقذ المنتظر. ثانيها يرتبط بفلسفة أنشيلوتي، الذي لا يزال يعتمد على أسماء قديمة ويكرر أخطاء تكتيكية أمام فرق منظمة.

من الواضح أن الريال بحاجة إلى عملية تجديد شاملة، ليس فقط في الأسماء، بل في طريقة التفكير. فالهزيمة ليست مجرد سقوط في مباراة نصف نهائي، بل انعكاس حقيقي لانحدار كبير في مستويات التوازن داخل النادي، من غرفة الملابس إلى الدكة الفنية.

المشجعون، الذين احتشدوا في المدرجات والذين تابعوا عبر الشاشات، لم يصدقوا ما رأوه. الفريق الذي قهر ليفربول وتشيلسي ومانشستر سيتي في مواسم ماضية، بدا اليوم وكأنه نسخة باهتة لا تنتمي لتاريخه ولا تنافس حاضره.

سادسًا: باريس سان جيرمان وتشيلسي في النهائي

بهذا الانتصار، يضرب باريس سان جيرمان موعدًا ناريًا مع تشيلسي في نهائي البطولة. الفريق الإنجليزي، بدوره، وصل إلى النهائي بعد أداء مقنع، ما يعني أن المباراة المقبلة ستكون اختبارًا صعبًا جديدًا للباريسيين.

لكن بعد الأداء الذي قدموه أمام ريال مدريد، يمكن القول إن باريس لم يعد فريقًا يبحث عن إثبات الذات، بل بات من فرق الصف الأول على مستوى العالم. فالفريق الفرنسي لا يعتمد فقط على الأسماء، بل على مشروع واضح ومدروس، بدأ يؤتي ثماره بشكل تدريجي وحاسم.

ختامًا: هل هذه بداية النهاية لريال مدريد؟

من الصعب أن نحكم على مشروع نادي بحجم ريال مدريد من مباراة واحدة، لكن الهزيمة المذلة أمام باريس سان جيرمان تؤشر على خلل كبير يتجاوز النتيجة. الخلل يبدأ من غرفة الملابس ويمتد إلى السياسة الرياضية والإعداد الذهني، وربما إلى الفلسفة الإدارية للنادي.

أما باريس، فقد حقق أكثر من مجرد انتصار. لقد أعلن نفسه رسميًا كقوة كروية لا تُستهان بها، ووجّه رسالة مدوية لكل فرق العالم: نحن هنا، لا لنشارك، بل لنحكم.

في ليلة شهدها أكثر من 77 ألف متفرج على أرضية الميتلايف، وفي حرارة خانقة تجاوزت 38 درجة مئوية، تمزق درع الميرينغي تحت ضربات الباريسيين. وفيما يتطلع الباريسيون إلى المجد في النهائي ضد تشيلسي، يبقى ريال مدريد في حالة صدمة، يفتش عن هوية ضاعت بين أقدام رويز وديمبيلي، وضاعت معها هيبته.

المباراة كانت أكثر من مجرد مباراة. كانت إعلانًا بنهاية وهم تفوق مطلق، وبداية عصر جديد ربما تُكتَب فيه فصول من المجد بأقلام باريسية.

تعليقات