الحلم الذي لم يكتمل
الدوري الإسباني لطالما كان ساحة الصراع بين الأساطير، لعقد كامل تقريبًا، أشعل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي المنافسة في الكلاسيكو، وصنعا من الليغا بطولة تتابعها القلوب قبل الأعين، لكن صيف 2018 جاء كزلزال كروي: أعلن ريال مدريد رحيل هدافه التاريخي إلى يوفنتوس، بعد ثلاثة ألقاب متتالية في دوري أبطال أوروبا، لحظة أربكت المشهد الكروي بأكمله.
لقد أغلق الفصل الأكثر إثارة في تاريخ النادي الملكي، تاركًا وراءه سؤالًا وجوديًا: ماذا لو أن الرئيس فلورنتينو بيريز استمع إلى نداء الجماهير، ووافق على مطالب رونالدو المالية؟ ماذا لو أن تلك الصفعة الاستراتيجية لم تحدث أبدًا؟
هذا ليس مجرد سؤال عابر، بل هو بوابة إلى عالم موازٍ، هل كان رونالدو ليستمر في تحطيم الأرقام ويضيف بطولات جديدة لمدريد؟ هل كنا سنرى فصولًا أكثر إثارة من صراعه الأزلي مع ميسي في الليغا؟
❓عزيزي القارئ، كيف كنت تتخيل السيناريو لو لم يحدث ذلك الرحيل؟
البقاء في القمة.. إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس
الكرة الذهبية السادسة في 2018
بعد قرار استمرار كريستيانو رونالدو مع ريال مدريد، لم تكن الكرة الذهبية لعام 2018 لتذهب إلى لوكا مودريتش، صحيح أن الكرواتي قدّم كأس عالم استثنائية مع منتخب بلاده، لكن بقاء رونالدو في مدريد ، كان كفيلًا بخطف الأضواء مجددًا، ومع أرقامه القياسية في دوري أبطال أوروبا، حسم الإعلام الإسباني والعالمي الجدل: الكرة الذهبية السادسة تذهب إلى رونالدو، لترسخ تفوقه.
المعركة الخالدة: رونالدو ضد ميسي في الذروة
ما بين 2018 و2021، بقيت معركة "رونالدو ضد ميسي" على أشدها، الكلاسيكو لم يعد مجرد مباراة بين ريال مدريد وبرشلونة، بل ساحة لصراع أبدي على الحذاء الذهبي والكرة الذهبية، كل مواجهة بينهما كانت تحسم الروايات الإعلامية: رونالدو يسجل ثنائية في دوري الأبطال، فيرد ميسي بأداء استثنائي في الليغا، الإعلام لم يترك لحظة إلا وحوّلها إلى جزء من رواية "المعركة الخالدة".
تبعات غير متوقعة.. الفراشة التي غيرت مصير الجميع
قرار البقاء القي بظلاله على الجميع، لم يغير مدريد فقط، بل قلب كرة القدم الأوروبية:
· يوفنتوس، النادي الإيطالي الذي كان علي أستعداد لأنفاق 100 مليون يورو على تلك الصفقة، بالإضافة إلى رواتب خيالية، أصبح لديه ميزانية ضخمة استثمرها في تعزيز الفريق بشكل متوازن (الدفاع، خط الوسط، والهجوم) بدلاً من الاعتماد على صفقة واحدة.
· ريال مدريد، لم يشعر بحاجة للتوقيع مع إدين هازارد في 2019، ليتفادى واحدة من أكثر الصفقات إخفاقًا في تاريخه.
· كريم بنزيما، ظل "المهاجم المساعد" بدلاً من كونه النجم الأول، حيث بقي الدور القيادي الهجومي في يد رونالدو.
· فينيسيوس جونيور، فقد وجد نفسه تحت جناح الأسطورة رونالدو، مما أخّر من انفجاره كموهبة هجومية أولى.
مع بقاء رونالدو، لم يعرف ريال مدريد معنى "مرحلة إعادة البناء"، الفريق استمر قوة أوروبية كاسحة، وحافظ على هيبته في دوري الأبطال، حتى بدا وكأن الإمبراطورية البيضاء صارت بلا نهاية، الجماهير تتحدث حتى اليوم أن "عصر الدون المستمر" كان أشبه بإمبراطورية كروية لا تغيب عنها الشمس، إمبراطورية لم تنكسر إلا في مخيلة من تخيلوا رحيله إلى إيطاليا.
النهاية الحتمية.. هل كان البقاء هو الحل الأمثل؟
عبء التقدم في السن والتوقيت المثالي
كل قصة عظيمة لها جانبها المظلم، حتى في هذا السيناريو المثالي، تبقى قوانين الطبيعة أقوى من أي أسطورة، تقدم رونالدو في السن كان حقيقة لا مفر منها، كان أداءه سينخفض حتمًا، ربما بشكل أبطأ لكنه سيحدث، السؤال هو: كيف كان سيستقبل مشجعو ريال مدريد المعروفون بتقلبهم، تراجع أسطورتهم؟ هل كانوا ليتحولون ضدّه كما حدث مع أيقونات سابقة؟ أم أن سجله التاريخي كان ليمنحه حصانة أبدية؟
ربما كان رحيله في 2018، رغم كونه مؤلمًا، هو التوقيت المثالي، غادر وهو في القمة، محطمًا جميع الأرقام القياسية مع النادي، تاركًا صورة ذهنية لا تشوبها شائبة، البقاء لسنين إضافية كان من الممكن ان يعرض هذه الصورة للخطر.
رحيل النجم البرتغالي عن ريال مدريد في صيف 2018 لم يترك الأثر الكارثي الذي توقعه الكثيرون، فسرعان ما انفجر كريم بنزيما في دور النجم والهداف الأول، ليحمل الفريق على كتفيه ويقوده للتتويج بـ دوري أبطال أوروبا مرتين، ويثبت أن مدريد لا يقف على لاعب واحد مهما بلغت أسطورته.
أما رونالدو، فقد تألق في الدوري الإيطالي بقميص يوفنتوس، حيث قاد الفريق للتتويج بالدوري المحلي مرتين وسجل 101 هدف في ثلاثة مواسم، لكنه لم يستطع استعادة بريقه الأوروبي الذي ظل مرتبطًا بريال مدريد، وفي النهاية، كان لعامل السن وقوانين الزمن الكلمة العليا، ليختار الدون محطة جديدة في مسيرته في الدوري السعودي.
الخاتمة: درس في القيادة والقدر
في النهاية، يظل قرار رحيل كريستيانو رونالدو عن ريال مدريد قرارًا يحمل كل معاني الدراما الكروية. سواء اعتبرناه صحيحًا أو خاطئًا، فقد علّمنا أن كرة القدم لعبة لا ترحم، وأن الزمن لا يتوقف عند أسطورة مهما بلغت عظمتها.
لعالمنا البديل سحر خاص، حيث تستمر الإمبراطورية وتظل المنافسة مشتعلة. لكن في عالمنا الواقعي، صنع الرحيل من ريال مدريد أساطير جديدة (بنزيما)، ودفع أسطورة قديمة (رونالدو) لتثبت أنها قادرة على (قهر) دوريات أخري، بينما دفع النادي ليدخل في عملية إعادة بناء مؤلمة كانت ضرورية على أي حال.
ربما كان الخيار الأصعب هو الخيار الصحيح للجميع، ربما كان على الأسطورة أن ترحل لتترك مساحة لأسطورة أخرى كي تولد. هذه هي الدراما الحقيقية لكرة القدم: لا توجد إجابات مثالية، فقط سيناريوهات "ماذا لو؟" تملأ عقولنا وتجعل تاريخ هذه اللعبة الجميلة أكثر إثارة للتأمل والجدل.
(المصادر)
1- رونالدو الي اليوفي مقابل 100 مليون يورو
2- بنزيما يحقق الكرة الذهبية بعد الفوز بدوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد