أم درمان 2009: الليلة التي أشعلت شمال إفريقيا من أجل تذكرة المونديال

أم درمان 2009: الليلة التي أشعلت شمال إفريقيا من أجل تذكرة المونديال

: استعد لذكريات لا تُنسى! قصة مباراة أم درمان 2009 الأسطورية بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم 2010، قصة الصعود، الدراما، الكواليس، والإحصائيات التي لا تزال محفورة في الذاكرة.

الحلم الذي أشعل الطريق إلى أم درمان

أربعـة أصدقاء، وُلدوا في بداية التسعينات، لم يشاهدوا المنتخب المصري في كأس العالم يومًا، كبروا على حكايات إيطاليا 1990، وعن محمود الجوهري وركلة الجزاء الشهيرة، حكايات تُروى في المقاهي وعلى شاشات التلفاز القديمة، لكنهم عاشوا زمنًا مختلفًا بطولتا أمم إفريقيا متتاليتان، وقلوبهم ما زالت عطشى للحلم الأكبر – حلم التأهل إلى كأس العالم.

في مساء القاهرة البارد، جلسوا جميعًا في غرفة واحدة، أعينهم على الساعة، يترقبون لحظة الحسم، الأسابيع التي سبقت تلك المباراة، لم يتحدثوا إلا عنها، وكل السيناريوهات الممكنة رسموها بأحلامهم:

  • "نسجّل هدفًا مبكرًا يربك الجزائر."
  • "ثم نضيف الثاني مع بداية الشوط الثاني."
  • "وإذا أراد القدر أن يمنحنا المعجزة… يأتي هدف الصعود في الدقيقة الأخيرة."

20 عامًا من الغياب، 20 عامًا من الانتظار، وتلك الليلة قد تكون بداية الرحلة، أو سقوطًا آخر يُضاف لخيبات الماضي.

لنرجع قليلًا إلى الوراء، إلى جذور القصة، لنسرد كيف تحولت «تذكرة الصعود إلى كأس العالم جنوب إفريقيا» إلى لحظة أشعلت شمال إفريقيا ووصلت إلى ذروتها الدرامية.

الجذور: صحراء من الانتظار وشوق للمونديال

تخيّل بلدين عريقين يعيشان عقدين من العطش المونديالي… هذا ما حدث لمصر والجزائر قبل ملحمة تصفيات مونديال 2010، فمنذ مونديال 1986 لم يحجز المنتخب الجزائري تذكرة كأس العالم، ومنذ أن أقصت مصر الجزائر عام 1990، لم تطأ أقدام الفراعنة أرض المونديال أيضًا؛ كأن القدر كتب على العملاقين أن يطاردَا السراب في صحراء الانتظار.

عندما سُحبت قرعة تصفيات كأس العالم 2010 ووقعت مصر والجزائر مع رواندا وزامبيا في المجموعة الثالثة، أدرك الجميع أن هذه ليست مجموعة عادية، بل «مجموعة الموت العاطفي» حيث سيذبح أحد العملاقين حلم الآخر بيديه.

التاريخ كان حاضرًا كالشبح، في 1989، تعادل المنتخبان في الجزائر (0-0)، ثم حسمها حسام حسن في القاهرة بهدف يتيم أرسل مصر إلى مونديال إيطاليا 1990، وترك الجزائريين غارقين في المرارة، والآن بعد عقدين من الزمن تعود القصة لتُكتب من جديد، ولكن هذه المرة بشغف أمة كاملة تحلم بتذكرة إلى جنوب إفريقيا.

الطريق إلى أم درمان: مجموعة نارية في تصفيات كأس العالم 2010

لم تكن رحلة التصفيات مجرد حدثين كبيرين فقط (مباراتي الجزائر ومصر)، بل كانت ماراثونًا من التوتر والمنافسة، حيث كان كل فريق يتربص بالآخر، ينتظر زلّة واحدة لتغيير مصير المجموعة.

مفاجأة الجولة الاولي: الشرارة التي أشعلت الفتيل

في مارس 2009، بينما كان الجميع يتوقع فوزًا سهلاً للجزائر على رواندا، سقط "ثعالب الصحراء" في فخ التعادل المخيب (0-0) في كيغالي، النتيجة بدت كفرصة ذهبية لمصر لحسم الأمور مبكرًا، لكن الفراعنة سقطوا في نفس الفخ على أرضهم بالتعادل (1-1) أمام زامبيا، وكأن القدر أراد أن يشعل فتيل صراع طويل لن ينتهي بسهولة.

الجولة الثانية: الانفجار الكبير

في يونيو 2009، التقى العملاقان في عنابة. شوط أول متكافئ ثم شوط ثانٍ ناري حسمته الجزائر (3-1)، لم تكن مجرد ثلاث نقاط بل إعلان عودة قوية وصراع بلغ ذروته.

منتصف الطريق: مطاردة لا هوادة فيها

من تلك اللحظة تحوّل المشوار إلى مطاردة لا تهدأ؛

  • مصر استعادت توازنها، ففازت على رواندا (3-0) في القاهرة، ثم (1-0) في كيغالي، قبل أن تحسم مباراة زامبيا خارج الديار بهدف نظيف.
  • الجزائر لم تتوقف هي الأخرى، إذ تغلبت على زامبيا ذهابًا وإيابًا (0-2 و1-0)، ثم انتصرت على رواندا (3-1) في الجزائر.

الجماهير في البلدين كانت تحصي الأهداف والنقاط لحظة بلحظة، وكل جولة كانت تزيد التوتر أكثر.

نحو ليلة القاهرة: بداية النهاية

بهذه النتائج جاء الموعد الحاسم في القاهرة: الجزائر في الصدارة بـ13 نقطة، ومصر بـ10 نقاط. الحسابات واضحة: الجزائر تحتاج التعادل أو الخسارة بفارق هدف لتتأهل، بينما مصر لا خيار أمامها سوى الفوز بفارق هدفين لفرض الملحق أو أكثر للصعود مباشرةً… كل شيء كان مهيأً لواحدة من أعظم الليالى في تاريخ الكرة العربية.

المباراة التي لم تنته عند صافرة الحكم

14 نوفمبر 2009

أكثر من 80 ألف متفرج في الاستاد، يشجعون بلا توقف، وغرفة صغيرة في القاهرة تحتبس أنفاس أربعة أصدقاء أمام الشاشة، هذا هو المشهد الذى سبق واحدة من أكثر الليالى درامية في تاريخ الكرة المصرية والجزائرية

منذ الدقيقة الأولى ضغط المنتخب المصري بقوة وسط صيحات الجماهير، وبعد دقيقتين فقط أحرز عمرو زكي الهدف الأول لتنفجر الغرفة الصغيرة كأنها جزء من الاستاد، وتبدأ أحلام الصعود المباشر تلوح فى الأفق.

 الأمل يزداد، لكن الدقائق تمر، والجزائر تقاوم بكل ما تملك، مرت اللحظات ببطء قاتل، حتى جاءت الدقيقة 90+5، لحظة لا تُنسى: كرة عرضية من سيد معوض علي رأس عماد متعب الذي هرب من مصيدة التسلل، ليسكنها برأسه في المرمي ويسجل الهدف الثاني، لتنفجر القاهرة بأكملها وليس الغرفة فقط.

حاول المنتخب المصري أنهاء اللقاء وقطع تذكرة الصعود مباشرة، لكن القدر أبي أن ينهي المباراة في القاهرة، صافرة الحكم لم تكن سوى إعلان بداية فصل جديد: مباراة فاصلة في أم درمان ستقرر مصير المتأهل لجنوب أفريقيا.

ملحق أم درمان – ليلة الحسم والمرارة!

شرارة ما قبل اللقاء

تحوّل “ملحق أم درمان” إلى ساحة نفسية قبل أن يصبح ساحة كروية: الصحف والبرامج وصنّاع الرأي في البلدين صبّوا الزيت على النار، وكل طرف صور نفسه مظلومًا والآخر متآمرًا. على أرض الواقع، اتخذت السلطات السودانية إجراءات استثنائية — أكثر من 15 ألف شرطي، إغلاق مبكر للمدارس والمصالح، وقيود أمنية صارمة — بعد حادثة رشق حافلة المنتخب المصري أثناء التدريب التي زادت من توتر الأجواء قبل المواجهة.

ليلة الحسم: 18 نوفمبر 2009

استاد أم درمان في السودان تحوّل إلى مسرح تاريخي، في البداية تم تخصيص 9000 تذكرة لمشجعي كل منتخب، وكانت هناك مخاوف من تجمع المشجعين الذين لا يحملون تذاكر في الخارج، وعلى الرغم من أن الكتل الخاصة بكل بلد كانت منفصلة بشكل صارم، إلا أن العديد من المشجعين الجزائريين والمصريين اشتروا تذاكر مخصصة للفريق السوداني المضيف، وقدر السكان المحليون الحضور الفعلي بما يصل إلى 50000 مشجع، صافرة البداية أعلنت بداية واحدة من أكثر المباريات شراسة في تاريخ التصفيات الإفريقية.

في الدقيقة 40، عنتر يحيى يسدد صاروخًا في شباك الحضري، الصمت يخيّم على المدرجات المصرية، بينما تنفجر المدرجات الجزائرية بفرحة لا توصف، مصر حاولت العودة، هاجمت بكل قوتها، لكن الحارس فوزي شاوشي والجدار الدفاعي الأخضر كانوا في الموعد، انتهت المباراة 1-0، وانتهى معها حلم الفراعنة في التأهل إلى مونديال 2010.

ما بعد صافرة النهاية: فرحة ومرارة

بعد صافرة النهاية، تفاقمت الأزمة، تناولت الصحف المصرية تقاريراً عن اعتداءات على المشجعين في الخرطوم، وتدمير حافلاتهم مما أجبرتهم على السير إلى المطار، فيما أعلنت الجهات الطبية عن وقوع ضحايا وإصابات، بينما نفت تقارير دولية وجود أعمال شغب واسعة، الاتحاد المصري قدّم شكوى للفيفا زاعمًا أن حياة اللاعبين والمشجعين كانت مهددة بالأسلحة لكن الشكوى أُغلقت لاحقًا، وفي القاهرة اندلعت احتجاجات أمام السفارة الجزائرية تخللتها أعمال تخريب وتحولت لمواجهات مع الشرطة، لتؤكد أن ليلة أم درمان تجاوزت حدود المستطيل الأخضر لتصبح أزمة سياسية وشعبية كبرى.

حين تحولت اللعبة إلى جرح في الذاكرة

لم تكن ليلة أم درمان مجرّد تسعين دقيقة من كرة القدم؛ كانت مسرحًا هائلًا التقت فيه الأحلام بالدموع، والروح الرياضية بالعصبيات، والشغف بالألم، تحوّلت الكرة المستديرة في تلك الليلة من لعبةٍ تملأ القلوب بالبهجة إلى حدثٍ غيّر ملامح الذاكرة العربية، فأصبح كل هتافٍ ودمعةٍ شاهدًا على قدرة هذه اللعبة على توحيد الملايين حينًا، وبذر الشقاق بين شعوبٍ يُفترض أنها إخوة حينًا آخر.
ومع مرور السنوات، ظلّت تلك الأمسية محفورةً في الوجدان كجُرحٍ لا يندمل، تذكّرنا أن كرة القدم ليست مجرّد انتصار أو هزيمة، بل مرآةٌ تُظهر أحلامنا وصراعاتنا وأعمق ما فينا من روابط وانكسارات، في تلك اللحظة، جلس الأصدقاء الأربعة في غرفتهم الضيّقة، أنفاسهم متقطّعة وقلوبهم ثقيلة، يشاهدون الحلم يتلاشى أمام أعينهم، وبعد أشهرٍ قليلة، حين رفع المنتخب المصري كأس الأمم الإفريقية للمرة الثالثة على التوالي، لم يكن في القلوب صدى لتلك الفرحة المعتادة؛ بقي الفرح باهتًا، والإنجاز بلا طعم، لأن القلب الذي تجرّع مرارة أم درمان ما زال يحلم بالمونديال… حلمٌ مؤجَّل ترك وراءه صمتًا أثقل من أي هتاف.

المصادر

1.     ملخص مباراة الجزائر 3 - 1 مصر .. تصفيات كأس العالم 2010 بالجزائر

2.     السلطات السودانية تستعد للمتاعب في مباراة الملحق

3.      رشق حافلة المنتخب المصري بالحجارة في الخرطوم

4.      احتجاجات مصرية أمام السفارة الجزائرية وتحولت لمواجهات مع الشرطة

تعليقات