كان الربيع في برشلونة مختلفًا ذلك العام لم تكن حرارة مايو
هي ما أشعلت المدينة، بل كانت أنباء كالصاعقة: بيب
جوارديولا، الشاب الذي بدأ في النادي كحامل للكرات، وصار رمزًا لفلسفة
«التيكي-تاكا»، رجل العصر الذهبي، لن يجدد عقده، الإرهاق تسلل إلى روحه،
الحاجة إلى استراحة أصبحت أقوى من رغبة البقاء على قمة العالم.
لكن ماذا لو حدث المستحيل؟ ماذا لو أن ساندرو
روسيل، تجاوز كل الخلافات بين الـ«كرويفيستا» والـ«نونويستا» ووضع مصلحة
برشلونة فوق كل اعتبار؟
جلس مع جوارديولا وجهًا لوجه، طوى صفحات الماضي، وقال له:
«أنت فيرغسون برشلونة، أنت من يقرر كل شيء» نعم، كما سمعت سلطة مطلقة على كل شيء:
على كل صفقة تدخل النادي، على كل قرار تقني، على كل صغيرة وكبيرة في القسم الرياضي،
لا ضغوط إعلامية، لا تدخلات سياسية، لا معارك داخلية.
هل كان العالم مستعداً لتلك الرحلة المجنونة؟
وهنا يبدأ السؤال الكبير الذي يهزّ القارئ: هل كان العالم
فعلًا مستعدًا لعقدٍ كاملٍ من برشلونة بيب بلا حدود، هل كنا سنشهد عقداً من
الهيمنة الكتالونية المطلقة؟
لنغوص معاً في أعماق الاحتمالات البديلة، لنري كيف
سيكون العالم الكروي مع بقاء جوارديولا في برشلونة عام 2012.
البيان التاريخي: برشلونة بيب في رحلة لا
تنتهي
المؤتمر
الصحفي: 27 أبريل… حين توقّف الزمن
كانت
كاميرات العالم كلّها مسلّطة على منصة صغيرة في «المدينة الرياضية» الصحفيون
يتنفسون بسرعة، العناوين العاجلة تشتعل: «بيب قرر الرحيل… أنتهي العصر الذهبي لبرشلونة»،
لكن فجأة يدخل جوارديولا ومعه روسيل، وجوه هادئة في عاصفة من الفلاشات، يلتقط بيب
الميكروفون ويقول:«أثبتوا في مقاعدكم، الرحلة لم تنتهِ… إنها
تمتد لعشر سنوات أخرى».
في تلك
اللحظة انقلب كل شيء؛ تحولت لحظة وداع متوقعة إلى إعلان أسطوري أعاد الأمل لجماهير
كتالونيا علي مستوي العالم.
تخطيط
المستقبل: تجديد وليس ثورة
بعد
الإعلان التاريخي، تغيّرت بنية النادي من الداخل، حصل جوارديولا على السيطرة
الكاملة على المشروع الرياضي، من أكاديمية اللاماسيا حتى فريق الكشافين، جلس مع
روسيل وخططوا لثلاثة مواسم مقبلة: وكان التحدي الأكبر أمام بيب هو تجديد
تشكيلة الفريق، كان عليه أن يتخذ قرارات صعبة بشأن
الأبطال القدامى مثل بويول، كيتا، وكان حازم جداً وقادرًا على إدارة تلك المرحلة من
أجل تجديد دماء الفريق، ومعالجة الإرهاق، دون أن يهدم الهيكل، أعلن صفقات ترسم
ملامح الجيل الجديد: المدافع الألماني الشاب ماتس هوملز والموهبة البرازيلية نيمار،
كجسر بين حقبة ميسي وتشافي وإنييستا وبين المستقبل، هذه الرؤية لم تكن ثورة
فوضوية، بل خطة علمية دقيقة لإبقاء برشلونة في القمة.
عصر السيطرة الكتالونية على أوروبا
أصبحت
برشلونة آلة لا ترحم، بينما كانت أندية أوروبا تبحث عن الاستقرار، كان بيب أكثر
جرأة على كسر القوالب التكتيكية، لم تعد «التيكي تاكا» مجرد فلسفة تمرير وصبر، بل
أضاف إليها طبقات جديدة من التحولات السريعة، والمراكز المتحركة، والضغط المعكوس
الذي يرهق الخصوم قبل أن يلمسوا الكرة، هذا الاستقرار الإداري منح جوارديولا الوقت
والطاقة لتطوير جيل جديد من اللاعبين وصقل نجومه حتى صاروا يلعبون كرة تبدو وكأنها
لغة سرية بينهم، يصعب على أي فريق فك شفرتها، أصبح برشلونة النسخة الأكثر تطوراً
من كرة القدم الشاملة، حيث كل لاعب يفكر كمدرب، وكل حركة محسوبة بدقة رياضية، وكل
لقب ليس مجرد صدفة، بل نتيجة تصميم متقن.
والنتيجة كانت هيمنة مطلقة في إسبانيا، وتحويل
أوروبا إلى ساحة لإبداع كتالوني يتقدم بخطوات على جميع المدربين الآخرين، يسبقهم
بالتكتيك ويكسب المعارك قبل أن تبدأ، ليحصد بطولات محلية وأوروبية ويُعيد تعريف
معنى السيطرة في كرة القدم الحديثة.
ليونيل
ميسي
مع بقاء
جوارديولا، بلغ ميسي ذروة لم يعرفها العالم، لم يكن مجرد هدّاف خارق، بل تحول إلى
قائد أوركسترا، يتحرك بين الخطوط ويمزج بين صناعة اللعب وإنهاء الهجمات بإتقان فني،
وجود بيب أعطاه بيئة آمنة للتطور، كل موسم يضيف لمكتبته لقباً جماعياً وآخر فردياً
حتى صار يحطم الأرقام بانتظام ويعيد تعريف معنى الاستمرارية في القمة.
حين انكسر الحلم عند حدود
الواقع
بينما كنا نغوص في عالمنا الموازي المثير، يعود بنا الواقع
القاسي إلى تلك اللحظة المصيرية، ساندرو روسيل لم يرَ في بيب سوى امتدادًا لميراث
لابورتا، فاختار أن يُغلق الصفحة بدلًا من أن يمنحه البيئة التي يستحقها، بدل أن
يفكّر في مصلحة برشلونة، فضّل أن يُقصي أي أثر للإدارة السابقة، فضاعت على النادي
فرصة تاريخية لتمديد العصر الذهبي، أعلن جوارديولا رحيله في 27 أبريل، وكانت تلك
واحدة من أسوا اللحظات في تاريخ برشلونة حيث قال كلمته الشهيرة "ربطة العنق
أصبحت ضيقة ولابد أن أخلعها لستم مضطرين أن تفعلوا نفس الشئ حافظوا عليها مشدودة
لان الطريق لايزال طويل"
·
تولى
تيتو فيلانوفا المهمة وحقق لقب الليغا التاريخي بـ100 نقطة، لكن مرضه وعدم تواجده
مع الفريق أدي الي انهيار تكتيكي حيث فقد الفريق تماسكه
وروحه القتالية.
·
جاء
إنريكي ليحاول أعادة البريق للفريق وحقق الثلاثية في 2015 لكنه رحل أيضاً.
·
ثم فقد الفريق تماسكه بعد رحيل
تشافي وإنييستا، وتراجع تأثير لاماسيا في الفريق الأول.
·
لم
يعد برشلونة قوة أوروبية علي الاطلاق؛ خرج من دوري الأبطال بسيناريوهات مؤلمة
(روما 2018، ليفربول 2019، بايرن 2020).
الخاتمة : الحلم الذي أُجهض
قبل أن يكتمل
لم يكن خروج بيب عن برشلونة مجرد قرار مهني؛ كان أشبه بيدٍ
غير مرئية تقطع خيوط سمفونية كانت تُعزَف بإتقان، لم يكن المنافس هو من هزم
برشلونة، ولم تكن الصدفة هي من حرمته المجد، بل كانت التدخلات السياسية
الصغيرة والأنا الضيقة والحسابات الشخصية هي الخنجر الذي طعن أحلام
الملايين من المشجعين، تلك الصراعات الإدارية لم تكتفِ بإخماد وهج فكرة، بل أطفأت
مشروعًا كان يمكن أن يجعل برشلونة أقوى فريق في التاريخ الحديث.
تحول
برشلونة من أسطورة تتحدى الزمن إلى فريق عادي يبحث عن هويته، من سيد أوروبا إلى
ضيف ثقيل على دوري الأبطال، من حلم لا يقهر إلى كابوس لا ينتهي.
واليوم، ونحن ننظر إلى تلك الحقبة بعيون الامتنان والحسرة
في الوقت نفسه، يتبادر سؤال لا يفارق خيال عشاق كرة القدم: هل
سنشهد يومًا فريقًا يستعيد تلك الهيمنة الأسطورية التي كان يمكن لبرشلونة بيب أن
يكتبها إلى الأبد؟
(المصادر)
1-
أعلان رحيل جوارديولا عن برشلونة في 27 أبريل 2012
2- تيتو فيلانوفا مدرباً لبرشلونة بعد جوارديولا
3- سقوط برشلونة في دوري أبطال أوروبا