إنها ليست مجرد بطولة كروية، إنها مسرح للأساطير، البوندسليغا،
عبر عقود من الزمن، شهدت صعود ونزول عمالقة التكتيك، أولئك الرجال الذين نحتوا
تاريخ الكرة الألمانية بأفكارهم وقيادتهم، لكن يبقى سؤال واحد يثير الجدل في كل
مقهى رياضي وعبر منصات التواصل: من
هو أفضل مدرب في تاريخ البوندسليغا؟
هل هو الحكيم صاحب البصمة التي لا تمحى؟ أم الساحر الذي جلب
المجد من خارج الحدود؟ أم الثائر الذي هز أركان القمة؟ اليوم، نفتح دفتر التاريخ،
ونستعرض الأرقام والإنجازات، في مواجهة مباشرة بين أربعة عمالقة: يوب هاينكس، أوتمار
هيتزفيلد، يورغن كلوب، و بيب جوارديولا.
يوب هاينكس - سيد
البوندسليغا المُطلق
إذا كان النجاح يحتاج إلى مزيج من الخبرة والهدوء، فإن يوب
هاينكس هو التجسيد الحي لذلك، بدأ مسيرته التدريبية في ثمانينيات القرن الماضي، قاد الرجل بايرن
ميونخ في فترتين منفصلتين، ليترك إرثاً هائلاً يصعب مجاراته، فترة
ولايته التي بدأت في 2009، لم يكتفِ هاينكس بتحويل الفريق إلى قوة لا
تهزم محلياً فحسب، بل نحت اسمه في ذاكرة التاريخ بأحرف من ذهب وقاد الفريق للتتويج
بـ ثلاثية تاريخية (الدوري، الكأس، دوري الأبطال) في عام 2013، وهو
الإنجاز الأول والأوحد في تاريخ النادي البافاري، لكن إنجازاته
في البوندسليغا وحدها تكفي لتجعله أسطورة؛ حيث قاد بايرن للفوز بالدوري
في 4 مناسبات، وسجل الرقم القياسي لأكبر نقطة يحصل عليها فريق (91 نقطة في موسم
2012/2013)، وأكبر فارق نقاط عن الوصيف (25 نقطة) إحصائية فوزه المذهلة مع بايرن
تجاوزت 75%،
وهي شهادة على هيمنته التي لا تقبل الجدل.
أوتمار هيتزفيلد – الجنرال
الذي صنع ملوك أوروبا
عندما تتحدث عن المدربين الذين غيروا وجه الكرة الألمانية،
يجب أن يمر اسم أوتمار هيتزفيلد أو
"الجنرال" فهو
المدرب الذي أثبت أنه يمكن تحقيق المجد مع أكثر من نادٍ في ألمانيا، بنى سمعته الأولى
مع بوروسيا دورتموند، حيث قاد الفريق، ضد كل التوقعات، للفوز بـ دوري
الأبطال في 1997، كما حقق لقب الدوري الالماني في موسمين متتالين قبل أن
ينتقل إلى بايرن ميونخ، واصل مسيرة الإنجازات، حيث قاد البافاريين للفوز بـ 5 ألقاب في البوندسليغا، ووصولاً للتتويج بدوري
الأبطال مرة أخرى في 2001، بذلك، أصبح أحد المدربين القلائل في التاريخ الذين
توجوا باللقب الأوروبي مع ناديين مختلفين، ويُعتبر من أكثر المدربين نجاحًا في
تاريخ الدوري الالماني، تميّز بفهمه العميق للجانب النفسي من اللعبة وقدرته على
إعادة بناء الفرق باستمرار، كان يعرف متى يغامر ومتى يتراجع، ومتى يبدّل تكتيكه
بدقة جراح.
يورغن كلوب – الثائر الذي كسر
هيمنة بايرن
لم يكن يورغن كلوب مجرد مدرب، بل كان ثورة في مفاهيم اللعب
الألماني، بدأ مسيرته التدريبية من القاع، مع ماينز 05، قاتل فيها بكل ما يملك
ليحقق أول صعود في تاريخ النادي إلى الدوري الألماني الممتاز عام 2004، رغم الميزانية المحدودة وضعف الإمكانيات،
قدّم ماينز كرة قدم هجومية مليئة بالشغف، جعلت كلوب حديث الصحافة الألمانية وهدفًا
لأكبر الأندية، انهالت عليه العروض، لكنه اختار الطريق الأصعب — مشروع بوروسيا
دورتموند، النادي الذي كان يعاني من أزمة مالية خانقة وتراجع حاد في النتائج، منذ
اليوم الأول في 2008،
بدأ كلوب ثورته، غيّر أسلوب الفريق كليًا، اعتمد على المواهب الشابة، وأعاد بناء
الفريق من الصفر، وفي خلال ثلاث سنوات فقط، قاد دورتموند للتتويج بلقب البوندسليغا
مرتين متتاليتين (2011 و2012)، بالإضافة إلى كأس ألمانيا 2012، في موسمه الرابع
كتب ملحمة أوروبية بوصوله إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 2013 بعد إقصائه ريال مدريد
بنتيجة 4-3 في مجموع المباراتين، قبل أن يخسر النهائي أمام بايرن ميونخ في الدقيقة
الأخيرة.
خلال حقبته مع دورتموند، خاض كلوب 319
مباراة، حقق فيها 180
انتصارًا بنسبة فوز تجاوزت 56 %، وسجّل فريقه 614 هدفًا، لكنه قبل الأرقام، كان
ما فعله هو تغيير الثقافة جعل من دورتموند رمزًا للحماس الجماهيري، وأعاد للكرة
الألمانية وجهها الهجومي المفقود، لقد كسر كلوب هيمنة بايرن ميونخ ليس بالمال، بل
بالشغف والإيمان بالفكرة، ليُخلّد اسمه كأحد أعظم المدربين في تاريخ البوندسليغا.
بيب جوارديولا - الفيلسوف
الذي جلب فلسفة جديدة
حين جاء بيب جوارديولا إلى بايرن ميونخ عام 2013، لم يكن
الهدف مجرد الفوز — بل التطوير خلف هاينكس، الذي ترك الفريق بطلاً لأوروبا، أعاد
بيب تشكيل أسلوب اللعب الألماني التقليدي ليجمع بين الانضباط الألماني والفلسفة
الكتالونية في التمرير السريع والضغط المتقدم، قاد بايرن لتحقيق ثلاثة ألقاب
بوندسليغا متتالية (2016:2014)، وسيطر محليًا بشكل مطلق، حطم
فريقه الأرقام القياسية للتسجيل والتمريرات، وكانت نسبة استحواذه الهائلة
ومحاولاته الهجومية المتواصلة درساً في السيطرة على المباريات، حقق نسبة فوز
خيالية بلغت 80% في
مباريات الدوري، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً، لقد أعاد بيب تعريف
الهيمنة ليس فقط بالفوز، بل بأسلوب لعب استثنائي.
رغم فشله في التتويج أوروبيًا، فإن بصمته التكتيكية كانت
عميقة، فقد غيّر شكل كرة القدم الألمانية بالكامل، وأثر في جيلٍ من المدربين.
خارج حلبة الصراع.. عمالقة آخرون تركوا بصمتهم
وراء الأضواء الساطعة للعمالقة الأربعة، يقف رجال آخرون
نسجوا من التحديات ملاحم خالدة، وساهموا في صنع أسطورة البوندسليغا بلا
منازع، أودو لاتيك، مهندس
نهضة بايرن ميونخ في السبعينات، هو أكثر مدرب فاز بالدوري الالماني بـ8
ألقاب، وهانس ويسويلير المدرب الشهير الذي صنع التاريخ مع أندية كولن وبوروسيا مونشنغلادباخ
وفاز باللقب 4 مرات، ولا يمكن نسيان أوتو ريهاجل، "الملك
أوتو" الذي يمتلك رقمياً قياسياً يصعب تحطيمه كـ أكثر مدرب خوضاً
للمباريات في تاريخ البوندسليغا بـ 836 مباراة، وتوج باللقب 3 مرات، مرتين مع فيردر
بريمن قبل أن يقدم واحدة من أعظم المعجزات في تاريخ الكرة الألمانية، عندما
قاد نادي كايزرسلاوترن للصعود من الدرجة الثانية والفوز بلقب البوندسليغا على
الفور في موسم 1997-1998.
هؤلاء العمالقة، برغم أنهم خارج حلبة صراعنا اليوم، إلا أن
إنجازاتهم تظل شواهد حية على عظمة هذه البطولة هم من وضعوا الأسس، ورفعوا سقف
التحدي، وجعلوا مهمة أي مدرب قادم أن يكون استثنائياً لمجرد منافسة إرثهم.
فبعد هذه الجولة بين أساطير الماضي وأبطال الحاضر، وبعد
استعراض سجلات من الذهب والإنجازات التي تخطت حدود الخيال... يبقى السؤال الأبدي
معلقاً في الهواء: من هو
أفضل مدرب في تاريخ البوندسليغا؟