اللحظة التي هزت أنفليد: السقوط الذي غير كل شيء
كان الربيع الإنجليزي يعانق سماء ميرسيسايد بأمل لم يُرى
منذ عقود، في
الرابع والعشرين من أبريل 2014، كان العالم يستعد لمشهد كروي استثنائي، ملعب
أنفيلد كان يغلي، والأجواء مشحونة بأمل طال انتظاره لثلاثة عقود، ليفربول تحت
قيادة قائده الأسطوري ستيفن جيرارد، كان على بعد ثلاث خطوات فقط من تحقيق لقب
الدوري الإنجليزي الغائب،
المواجهة كانت ضد تشيلسي بقيادة مورينيو.
الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول، كانت كفيلة بأن تُسكت كل
شيء تمريرة خلفية غير موفقة لجيرارد قرب خط المنتصف، ابتعدت عن قدمه لعدة مترات،
وبينما كان يحاول اللحاق بها، انزلق ولم يستطيع الوصول لها، لتهرب نحو ديمبا با
الذي انطلق كالسهم ليسجل في مرمى الحارس مينيوليه.
سقط جيرارد، وسقط معه حلم مدينة كاملة، تلك اللقطة لم تكن
مجرد خطأ، كانت خيانة غير مقصودة من القدر.
لكن، ماذا لو لم ينزلق؟
ماذا لو حافظ قائد ليفربول على توازنه، وواصل الفريق طريقه
بلا عثرة؟
هنا تبدأ قصتنا من العالم الموازي…
جيرارد يصمد… وليفربول لا
يتوقف
استقبل جيرارد الكرة ببراعة، ورفع رأسه ليرى المساحة
الشاسعة أمامه، كان إيمانه بنفسه وبالجماهير أقوى من أي ضغط، تقدم خطوتين سريعتين
قبل أن يرسل تمريرة طولية دقيقة ومتقنة إلى لويس سواريز الذي كان يتحرك بخبث خلف
دفاع تشيلسي، انطلق سواريز بسرعة البرق، وبمجرد وصوله إلى منطقة الجزاء، سدد كرة
أرضية زاحفة مرت بجوار قدم الحارس مارك شوارزر، ليسجل هدف ليفربول الأول!
لم يفتح الهدف باباً للمجد فحسب، بل أغلق الباب أمام تشيلسي
الذي لم يستطع التعويض، وانتهت المباراة بفوز مستحق لـ ليفربول 1-0.
جنة "آنفيلد": فوز ليفربول بلقب
الدوري الإنجليزي
أصبح الطريق ممهدًا لـ ليفربول،
متصدرًا الدوري بفارق ثلاث نقاط عن مانشستر سيتي قبل جولتين من النهاية، في الجولة
37 فاز السيتي 3-2 على إيفرتون بشبه تواطؤ لوضع الضغط علي ليفربول الذي سافر الي
لندن ليلعب أمام كريستال بالاس، لكن دخل ليفربول الملعب بثقة الأبطال، فسيطر على
اللقاء منذ البداية، أنهى الشوط الأول بهدف نظيف، ثم أضاف ستوريدج وسواريز هدفين
متتاليين مع انطلاق الشوط الثاني ليحسم الفريق المباراة بثلاثية مذهلة.
ليصبحوا على بعد نقطة واحدة
من كسر لعنة الـ 24 عامًا التي طاردت النادي.
الجولة الأخيرة حملت جنوناً
درامياً: سُجل هدفان متتاليان لمانشستر سيتي، بينما اهتزت شباك الريدز بهدف عكسي
من سكرتيل، لتتحول الصدارة مؤقتًا إلى الغريم، وفي قمة اليأس، انبرى المدافع
الدنماركي دانييل آغر بهدف التعادل ليشتعل "آنفيلد" من جديد، قبل أن
يطلق ستوريدج رصاصة الانتصار بعد دقيقتين فقط، ليختم الحلم الأبدي ويهدي ليفربول
لقب الدوري الإنجليزي الغائب.
جيرارد يرفع الكأس: المشهد الأبهى
عند صافرة الحكم النهائية، انفجر ملعب "آنفيلد"
بطريقة لم يشهدها التاريخ الحديث، كانت احتفالات هستيرية امتزجت فيها دموع الأجيال
التي انتظرت هذا اللقب لأكثر من 24 عاماً.
جيرارد جثا على ركبتيه، يرفع يديه نحو السماء، زملاؤه
يركضون نحوه، والجماهير تبكي من الفرح،
كانت لحظة تعويض لكل الليالي التي بكى فيها وهو يودّع الأمل،
ليفربول بطل الدوري الإنجليزي، وجيرارد يرفع الكأس وسط بحر من الدموع الحمراء.
وفي المشهد الأجمل على الإطلاق، وبينما كان النجوم يصطفون
لاستلام الميداليات، وصل الأمر إلى ستيفن جيرارد، تقدم
الأيقونة بخطوات ثابتة، بينما كانت عيناه تلمعان ببريق غريب، بريق المجد الذي كاد
أن يضيع. رفع جيرارد الكأس بكلتا يديه نحو السماء، ليعلن نهاية العقدة التاريخية.
هذا اللقب لم يكن مجرد إضافة لخزانة النادي، بل كان إغلاقاً لملف عقود من الحسرة،
لقد أصبح جيرارد، القائد الذي لم يغادر أبداً، الأسطورة التي جلبت اللقب الغائب،
مؤكداً أنه يستحق كل التضحيات التي قدمها للنادي، أصبح جيرارد ولقب الدوري 2014
قصة تُروى للأجيال.
قال في المؤتمر الصحفي بعد المباراة بصوتٍ متقطع:
🎤
–
" ماذا يمكنني أن أقول؟ لا أجد الكلمات المناسبة، هذه
ليست مجرد بطولة، هذا هو الهواء الذي نتنفسه جميعاً! انتظرتُ هذه اللحظة أكثر من نصف عمري… حلمتُ بها كل ليلة، وكنت أخاف
أن أعتزل قبل أن أراها، لقد عشت مع هذا النادي سنوات جف فيها النهر… لكن لم
يفارقني يوماً إيماني بالمدينة وبالجمهور، اليوم لم نفز أنا ولا
اللاعبون، بل فازت الأجيال كلها! هذا الكأس لمن لم يستطع أن يراه، لمن نام وهو
يحلم به، ولمن سيصحو اليوم ليرى أن اللعنة قد انتهت، هذه هدية لابني وابنتي ولأبناءكم، ولأجل
أبي، لم أفعل شيئًا سوى أنني قاتلت من أجل الشعار الذي أحببته منذ كنت طفلًا، هذا
اللقب، لأجل جماهيرنا، لأجل ليفربول إلى الأبد، شكراً لأنكم لم تتخلوا عني، شكراً
لأنكم لم تتخلوا عن ليفربول"!
بعد اللقب: إرث جيرارد الجديد
بعد هذا التتويج الخيالي، تغيرت فصول التاريخ، لقد تحول ليفربول إلى قوة لا
تُقهر،
النصر لم يكن نهاية الطريق، بل كان البداية لحقبة جديدة من المجد، لويس سواريز،
الذي شارك في صناعة هذا الإنجاز، قرر التجديد، ليقود الريدز في دوري أبطال أوروبا
كأبطال إنجلترا، أما القائد الأسطوري، فكانت نهايته مغايرة تماماً للواقع، اعتزل في
قمة مجده بعد عامين، لكن القصة لم تنته
هنا، إذ عاد سريعاً إلى بيته كمدرب للفريق الرديف، ليُتوج إرثه الأسطوري بالعودة
إلى قيادة الفريق الأول، ونجح في عام 2020 في معادلة ألقاب مانشستر يونايتد في
البريمرليج والفوز باللقب رقم 20 هذه
المرة من مقعد المدير الفني!
تحول جيرارد من قائد في الملعب إلى صانع أساطير من مقعد
البدلاء، وأصبحت المدينة بأكملها تنطق باسمه، مُخلدة ذكراه ليس فقط كلاعب عظيم، بل
كمهندس لعودة الإمبراطورية الحمراء.
عودة إلى الواقع المؤلم
مهما كانت متعة السيناريو التخيلي، يجب أن نعود إلى الواقع، انزلق
جيرارد، وسجل ديمبا با هدف تشيلسي الذي كسر قلوب الملايين في أنفيلد، وخسر ليفربول
بثنائية في تلك المباراة، وتلاشى حلم اللقب بين أصابع الأسطورة، ليُكتب فصل جديد
من الحسرة، تلك الدموع التي سالت من عيني جيرارد لم تكن لتهديدٍ بالخسارة، بل كانت
دموع رجل أدرك أن التاريخ سيذكر اسمه مقترنًا بلحظة ضياع المجد الأكبر، كانت
النهاية درامية حد الألم، وشاهد العالم كيف يمكن لانزلاقة واحدة أن تفصل بين
الأسطورة والحسرة.
لكن هذه القصة التخيلية تذكرنا بقوة الرياضة وجمالها
وقسوتها في آن واحد،
تذكرنا بأن الفرق بين الخلود والندم يمكن أن يكون أحيانًا عبارة عن سنتيمترات بين
نعل الحذاء والعشب، جيرارد رغم كل شيء، يظل أسطورة في أنفليد، وقصة تعثره هي جزء
من مأساة إنسانية جعلت منه شخصية أكثر قربًا للقلوب.
لطالما كانت كرة القدم لعبة
قاسية، وعند
جماهير ليفربول، سيظل سؤال "ماذا لو لم يتعثر جيرارد؟" هو البوابة إلى
عالم موازٍ جميل، حيث يحكم القائد الأحمر، وترتفع الكأس إلى عنان السماء، ويحصل
البطل على النهاية التي يستحقها.