كيف حوّل منتخب الدنمارك يورو 1992 إلى معجزة كروية لا تُنسى؟

كيف حوّل منتخب الدنمارك يورو 1992 إلى معجزة كروية لا تُنسى؟

 

: استُبعدت يوغوسلافيا، فدخلت الدنمارك البطولة في اللحظة الأخيرة، لتكتب أعظم قصة في تاريخ اليورو. اكتشف تفاصيل المعجزة التي أذهلت العالم.

عندما غيرت مكالمة هاتفية التاريخ

في صيف 1992، بينما كان اللاعبون الدنماركيون يستمتعون بعطلاتهم، رنَّ الهاتف فجأةً لم يكن أحد يتخيل أن هذه المكالمة ستغير حياتهم إلى الأبد، لم يكن منتخب الدنمارك مؤهلاً لبطولة أمم أوروبا، لكن القدر كان يخبئ لهم مفاجأة لم يصدقها العالم حتى اليوم.

نحن لا نتحدث هنا عن مسلسل مكسيكي، أو فيلم هندي، بل كان ذلك واقعا، تلك القصة هي واحدة من أعظم المعجزات في تاريخ كرة القدم، ولولا أنه حدث منذ أكثر من 30 عاما لشكّك البعض فيها، فكيف تحول المنتخب "البديل" إلى بطل لأوروبا؟

بداية القصة: استبعاد يوغوسلافيا وولادة مفاجأة الدنمارك

صورة توضح ترتيب تصفيات يورو 1992 حيث تصدرت يوغوسلافيا وتأهلت، بينما جاءت الدنمارك ثانية، قبل أن تتغير القصة بعد الاستبعاد التاريخي.

الحظر المفروض على يوغوسلافيا

في ربيع 1992، كانت يوغوسلافيا تحترق من الداخل بسبب الحرب الأهلية، ومع تفاقم الأزمة، كانت كرة القدم تدفع الثمن، قررت الأمم المتحدة فرض عقوبات على البلاد أطاح بمنتخبها من يورو 1992، ليكتب القدر فصلاً جديداً من الجنون: الاتحاد الأوروبي (UEFA) قرر استبدال يوغوسلافيا بالدنمارك التي احتلت المركز الثاني خلفها خلال التصفيات، قبل 10 أيام فقط من انطلاق البطولة.

اللاعبون بين الشواطئ وملاعب اليورو

لم يكن المنتخب الدنماركي مستعداً أبداً، بعض اللاعبين كانوا في إجازات على الشواطئ، وآخرون في نزهات مع عائلاتهم، المدرب ريتشارد مولر نيلسن اضطر لتجميع الفريق في أيام قليلة، وبقوام مكوّن من مجموعة لاعبين متوسطين وبيتر شمايكل، والصدمة الكبري برفض نجم المنتخب الأول مايكل لاودروب المشاركة في البطولة، لاعتقاده بعدم قدرة الدنمارك على القيام بشيء يستحق التضحية، وبدون تحضير تكتيكي كافٍ، ودون معسكر إعداد، ودون مباريات ودية، ودون أي توقعات، ذهبوا الي السويد !

"كنا نعتقد أنها مزحة... لم نكن مستعدين نفسياً أو جسدياً لهذه البطولة!" — بيتر شمايكل، حارس مرمى الدنمارك.

البداية المتواضعة والصعود المفاجئ
مجموعة الموت ومواجهة المستضيف والعملاق الإنجليزي

تخيّل أن تبدأ بطولة كبرى بدون نجمك الأبرز، في مجموعة تضم ثلاثة من أقوى المنتخبات الأوروبية، وُضعت الدنمارك في مجموعة صعبة تضم إنجلترا وفرنسا والسويد المضيفة. في المباراة الأولى، تعادلوا مع إنجلترا (0-0) لكنها أظهرت روحًا قتالية غير متوقعة، ثم صدام قوي أمام الجارة السويد ينتهي بالخسارة بهدف، لتضعهم على حافة الإقصاء حتى ظن الجميع أن مغامرتها انتهت، لكن...

 

كيف أطاح الدنماركيون بفرنسا؟

قبل المباراة الحاسمة بساعات، تلقى كيم فيلفورت، صانع العاب الفريق اتصالا من زوجته تُخبره خلاله عن سوء حالة ابنته الصحية والتي تعاني من سرطان الدم، ليضطر إلى مغادرة البطولة والعودة إلى الدنمارك!

ورغم كل هذه الظروف، وقف المنتخب الدنماركي أمام فريق فرنسي يعج بالنجوم مثل جان بيير بابان، إيريك كانتونا، لوران بلان، ديدييه ديشامب، وفاز الدنماركيون (2-1) وتأهلوا بصعوبة إلى نصف النهائي، وتتواصل رحلة أبناء نيلسن إلى الأمام، في لحظة تاريخية غيّرت كل الحسابات.

مواجهة هولندا والضربة القاضية لفان باستن

بيتر شمايكل في لحظة أسطورية يتصدى لركلة فان باستن في نصف نهائي يورو 1992، ليمنح الدنمارك بطاقة العبور إلى النهائي بطريقة لا تُنسى.

في نصف النهائي، كان اختبار أكثر صعوبة مما سبق، واجهت الدنمارك الجيل التاريخي لهولندا (حاملة لقب يورو 1988) بقيادة فان باستن ورايكارد وخوليت، ثلاثي ميلان الفائز بالكرة الذهبية والبقية.

وبينما كان الجميع يتوقع سقوطاً سريعاً للدنمارك، عاد النجم كيم فيلفورت من بلاده، بناءً على طلب أسرته، لخوض هذه الملحمة المصيرية، بدأ اللقاء بإيقاع ناري، حيث تقدمت الدنمارك بهدف مبكر، لكن هولندا تعادلت سريعًا، ثم عادت الدنمارك وسجلت هدف التقدم مرة أخرى، قبل أن تُدرك الطواحين التعادل القاتل في الدقائق الأخيرة، وبعد التعادل كانت الخطة واضحة: الصمود حتى ركلات الترجيح، حيث يثق الفريق في تألق حارسهم الأسطوري بيتر شمايكل. وبالفعل، بعد تسجيل الدنمارك لكل ركلاتها، جاء الموعد مع اللحظة الخالدة... شمايكل يتصدى لركلة فان باستن الثانية، أحد أعظم المهاجمين في التاريخ، ويقود بلاده إلى نهائي البطولة في واحدة من أكثر اللحظات إثارة في تاريخ اليورو!

النهائي التاريخي ضد ألمانيا الموحدة

بين الابن والوطن: معضلة فيلفورت التي ألهمت الفريق

: لحظة مؤثرة تجمع كيم فيلفورت بابنته المريضة في المستشفى، قبل أن يلبي رغبتها الأخيرة ويعود للعب النهائي الذي دخل التاريخ.

عاد "فيلفورت" إلى كوبنهاجن مرة أخري عقب مباراة نصف النهائي ليكون بجانب ابنته المريضة "ليني" ولم يكن ينوي العودة مجددًا إلى المنتخب، ولكن طلبت منه ابنته آخر أمنية لها بالعودة إلى السويد وخوض المباراة النهائية ضد الألمان ولم يستطيع الأب الحزين رفض طلبها وقرر أن يكتب أجمل نهاية للقصة.

المواجهة المستحيلة: عندما وقف الهواة أمام آلة ألمانية لا تُهزم

التصويبة الذهبية لكيم فيلفورت في نهائي يورو 1992، لحظة سجّل فيها هدف البطولة وحقق حلم ابنته الصغيرة… لقطة خالدة في ذاكرة كرة القدم.

في 26 يونيو 1992، وقف الدنمارك (البديل) أمام ألمانيا (بطل العالم) الموحدة مؤخرا في أول ظهور لها بعد هدم جدار برلين، التي كانت مرشحة بقوة للفوز باللقب، كانت البداية رائعة جدا للمنتخب الدنماركي ومع الدقيقة 18، فاجأ جون ينسن الجميع بتسديدة صاروخية سكنت الشباك، لتعلن تقدم الدنمارك، وبعدها بدأت الآلة الألمانية ضغطها المعتاد، إلا أن العملاق بيتر شمايكل وقف سدًا منيعًا في وجه كل المحاولات، ليتحول النهائي إلى ملحمة دفاعية.

صمدت الدنمارك ولم تستقبل أي هدف، بينما كان شمايكل يصنع معجزات التصديات، جاءت اللحظة الأجمل كيم فيلفورت نفسه، الذي حمل قصة ألمٍ إنساني، يسجل الهدف الثاني، ويمنح الدنمارك لقب بطولة أمم أوروبا 1992، أول وأهم تتويج في تاريخهم.

قد يبدو أحيانًا أن ما يحدث في كرة القدم لا يمكن أن يكون مجرد صدفة... وكأن هناك من يكتب السيناريو مسبقًا. كيف للقدر أن ينسج قصة بهذه الروعة والدقة؟

تنتهي المباراة بنتيجة (2-0) وتدخل الدنمارك التاريخ من أوسع أبوابه، في واحدة من أكبر المفاجآت الكروية على الإطلاق، ليجلس مايكل لاودروب بحسرة يشاهد المجد دون أن يُلامسه، يري زملائه وهم يعانقون السماء وهو ينظر لهم وحيدا علي الأرض !

الخاتمة: عندما تكون الدموع أكبر من الذهب

فرحة منتخب الدنمارك بعد التتويج بيورو 1992، احتفالات مجنونة بلقب لم يكن بالحسبان، في واحدة من أعظم مفاجآت كرة القدم الأوروبية.

وفي النهاية
رغم أن الدنمارك فازت بالبطولة التي لم تكن مدعوّة إليها أصلاً، ورغم أن الأب "كيم فيلفورت" سجل الهدف الأغلى في حياته، إلا أن تلك السعادة لم تكتمل كثيراً.
بعد أسابيع قليلة فقط من التتويج، رحلت ليني فيلفورت، الطفلة التي ألهمت منتخبًا بأكمله وأعادت والدها إلى الملعب في لحظة حاسمة… رحلت بعدما شاهدت والدها يصبح بطلًا في عيون العالم، لكنها لم تتمكن من الفوز بمعركتها الخاصة ضد المرض.

أحيانًا، لا تكون البطولة في رفع الكأس، بل في من تحبّه يراك منتصرًا، ولو للحظة.

اليوم، بعد أكثر من 30 عاماً، لا يزال يورو 1992 يُذكر كواحد من أعظم الحكايات الكروية.
فهل سنشهد معجزة كروية مشابهة لها مرة أخرى؟

 

 

(المصادر)

1-     حكاية الدنمارك الخيالية

2-     استبعاد يوغوسلافيا من البطولة

3-     ملخص مباراة هولندا والدنمارك

4-     أهداف المباراة النهائية ضد ألمانيا

5-     قصة فيلفورت وأبنته ليني

 

 

تعليقات