عملة معدنية تُحدد بطل أوروبا.. القصة الكاملة ليورو 1968

في يورو 1968، عاشت كرة القدم واحدة من أغرب لحظاتها حين تأهلت إيطاليا إلى النهائي عبر "القرعة" قبل أن تحصد اللقب. قصة درامية مليئة بالأرقام والدهشة.

بداية مثيرة: يورو استثنائي في كل شيء

تخيل أن بطولة كبرى مثل اليورو قد تُحسم بعملة معدنية!

في صيف عام 1968، كانت كرة القدم الأوروبية تستعد لنسختها الثالثة من البطولة القارية، التي عُرفت وقتها باسم "كأس الأمم الأوروبية" قبل أن تصبح "يورو". استضافت إيطاليا تلك النسخة وسط أجواء سياسية واجتماعية مليئة بالتغييرات، وكانت محكومة بمجموعة من القواعد الغريبة التي ستُكتب في سجلات التاريخ بأحرف من دهشة ودهاء وحظ صرف، ليست قصة عن مهارة خارقة أو أهداف مبهرة فحسب، بل عن عملة معدنية واحدة غيرت مسار البطولة، لتكتب واحدة من أغرب القصص في تاريخ كرة القدم.

يورو 1968: بطولة ذات طابع مختلف

نظام البطولة

قبل الغوص في قلب الدراما، يجب فهم السياق المختلف تمامًا الذي جرت فيه بطولة كأس الامم الاوروبية 1968، لم تكن البطولة تضم 24 فريقًا كما هي اليوم، في البداية تقيم تصفيات على مرحلتين: مرحلة المجموعات وقُسِّمت لثمان مجموعات، ويتأهل الأوائل إلى ربع النهائي، والمرحلة الثانية ربع النهائي الذي أُقيم على مباراتي ذهاب وإياب، والفائزون يتأهلوا إلى البطولة النهائية، على أرض أحد المتأهلين.

نتائج المرحلة الاولي من التصفيات

شهدت التصفيات المؤهلة منافسة شرسة بين أفضل منتخبات القارة، حيث شارك 31 منتخبًا في التصفيات الأولية، لم يكن الطريق إلى النهائيات مُعبّدًا، بل كان مليئًا بالمفاجآت والنتائج الصادمة التي حددت هوية الأبطال الثمانية الذين تأهلوا إلى دور ربع النهائي، وكانت النتائج على النحو التالي: تأهلت إسبانيا (حامل اللقب ومتصدرة المجموعة الاولي)، وبلغاريا (المجموعة الثانية)، والاتحاد السوفيتي (المجموعة الثالثة) ويوغوسلافيا (المجموعة الرابعة)، والمجر (المجموعة الخامسة)، وإيطاليا (المجموعة السادسة)، وفرنسا (المجموعة السابعة)، وإنجلترا (بطل كأس العالم 1966 والمتصدر للمجموعة الثامنة)

في العاصمة الفرنسية باريس، أجريت قرعة ربع النهائي لترسم مواجهات مثيرة جمعت بين القوى العظمى والمنتخبات الصاعدة، وكانت نتائج القرعة كالتالي:

إنجلترا ضد إسبانيا
فرنسا ضد يوغوسلافيا
المجر ضد الاتحاد السوفيتي
بلغاريا ضد إيطاليا

ربع النهائي: صراع العمالقة نحو النهائيات

شكلت مباريات ربع النهائي مسرحًا للدراما الخالصة، حيث شهدت كل مواجهة تقريبًا انقلابًا كاملًا في النتائج بين مبارتي الذهاب والإياب، مما أكد على حدة المنافسة وعدم إمكانية التنبؤ بنتائج البطولة في ذلك الوقت.

· إنجلترا أكدت قوتها بالفوز ذهاباً واياباً على إسبانيا (1-0 و2-1).

· يوغوسلافيا صدمت فرنسا بفوز ساحق (5-1) بعد التعادل ذهاباً في باريس (1-1).

· تبادل المجر والاتحاد السوفيتي الضربات: فاز المجريون ذهابًا (2-0)، لكن السوفييت ردوا بقوة إيابًا (3-0).

· إيطاليا حولت خسارتها أمام بلغاريا (2-3) ذهاباً إلى انتصار ثمين (2-0) في نابولي.

وهكذا، اكتمل عقد المنتخبات الأربعة الكبرى في البطولة النهائية: إيطاليا، إنجلترا، الاتحاد السوفيتي، ويوغوسلافيا، لتبدأ مرحلة جديدة من الإثارة والدراما الكروية في الطريق إلى اللقب الأوروبي.

المباراة التي لم يكن لها منتصر

في صيف 1968 بدأت الحكاية، أهدى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم شرف تنظيم النسخة الثالثة من البطولة إلى إيطاليا، وبعد أن فاز الاتحاد السوفيتي باللقب الأول عام 1960، ثم تبعته إسبانيا في 1964، كان الشعور السائد أن البطولة لا يمكن أن تفلت من بين أيدي الطليان على أرضهم وبين جماهيرهم، التي كانت آنذاك أكثر المنتخبات تتويجًا بكأس العالم (مرتين).

في 5 يونيو 1968، على ملعب سان باولو في نابولي، التقى المنتخب الإيطالي بنظيره السوفيتي في نصف النهائي أمام حوالي 70 ألف متفرج ينتظرون أمسية كروية لا تُنسى، الجميع توقع عرضًا هجوميًا مثيرًا، لكن الواقع كان مختلفًا، 120 دقيقة كاملة من الصراع انتهت بلا أهداف 0-0 حيث تحطم المهاجمون أمام صلابة الدفاع، وغابت الحلول تمامًا عن كلا الطرفين.

لحظة الحسم: قلب العملة المعدنية

المعضلة الحقيقية لم تكن في الملعب، بل في القوانين! ففي ذلك الوقت، لم يكن هناك شيء اسمه ركلات ترجيح، ولم يكن يسمح بإعادة المباراة بسبب ضيق الوقت وضغط البطولة، كان الحل الوحيد المنصوص عليه في لوائح الاتحاد الأوروبي: القرعة بالعملة المعدنية!

الحكم الألماني كورت تشينشير يلجأ للقرعة عن طريق عملة معدنية، فاستدعى جاشينتو فاكيتي قائد المنتخب الإيطالي وألبرت شيسترنيوف قائد منتخب الاتحاد السوفيتي إلى غرفة خلع الملابس، ليُجري القرعة بينهما، لم تكن هناك كاميرات لتوثيق اللحظة، فقط روايات الشهود.

وحكى فاكيتي الواقعة لاحقاً: "الحكم استدعاني مع قائد منتخب الاتحاد السوفياتي، ونزلنا إلى غرف تبديل الملابس معًا، برفقة مشرفين من الفريقين، وقام الحكم بإخراج عملة معدنية قديمة، قمت باختيار الكتابة وكان بالفعل الاختيار الصحيح وصعدت إيطاليا إلى النهائي".

وكانت هذه المرة الأولى والوحيدة في تاريخ البطولات الكبرى التي يتأهل فيها فريق إلى المرحلة التالية عن طريق القرعة.

المباراة النهائية

النهائي الأول.. تعادل جديد ومباراة إعادة

ماذا لو أخبرتك أن نهائي بطولة أوروبا لم يُحسم في 90 أو 120 دقيقة؟ بل احتاج إلى إعادة المباراة كاملة!

في 8 يونيو 1968، امتلأ الملعب الأولمبي بروما بأكثر من 68 ألف متفرج لمتابعة نهائي البطولة، حيث لعبت إيطاليا أمام يوغوسلافيا ومرة أخرى، لم يتمكن الطليان من فرض تفوق واضح، وانتهت المباراة بالتعادل (1-1) ، لكن النهائي لا يمكن أن يحسم باالقرعة، فقرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم خوض مباراة إعادة بعد يومين فقط—في سابقة تاريخية لم تتكرر.

النهائي الثاني.. لحظة التتويج الإيطالي

في 10 يونيو 1968، جرت مباراة الإعادة بين إيطاليا ويوغوسلافيا على الملعب الأولمبي بروما.
هذه المرة، لم يترك الطليان أي شيء للحظ، فبفضل تألق لويجي ريفا وبيتزاريني، حققت إيطاليا الفوز (2-0) لتحصد أول لقب أوروبي في تاريخها، وكان هذا النهائي الوحيد في التاريخ الذي أقيم من مباراتين.

إرث البطولة.. كيف غيرت "القرعة" قوانين اللعبة؟

فوز إيطاليا بكأس الأمم الأوروبية 1968 سيبقى استثناءً نادرًا في عالم كرة القدم، لم يكن الأمر مجرد انتصار كروي، بل درس تاريخي عن كيف يمكن للحظ أن يصنع المجد، وبعد البطولة واجه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم انتقادات واسعة، إذ رآها كثيرون بطولة لم تُحسم علي أرض الملعب بل خارجه بالحظ.

تحت هذا الضغط، قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تعديل اللوائح، ليُكتب فصل جديد في القوانين: اعتماد ركلات الترجيح كطريقة أكثر إنصافًا ودراماتيكية، وهكذا شهدت بطولة أمم أوروبا 1976 أول نهائي يُحسم عبر ركلات الترجيح.

🤔 سؤال للنقاش: ما هي أغرب لحظة حسم شهدتها كرة القدم برأيك.

(المصادر)

1- نتائج المرحلة الاولي من التصفيات

2- نتائج ربع النهائي

3- أهداف المباراتين النهائيتين بين إيطاليا ويوغوسلافيا

4- أيطاليا تصعد للمباراة النهائية عن طريق القرعة

تعديل المقال