مارسيليا 1993.. من قمة أوروبا إلى السقوط في بئر الفضائح

مارسيليا 1993.. من قمة أوروبا إلى السقوط في بئر الفضائح



تعرف على القصة الكاملة لفوز أولمبيك مارسيليا بدوري أبطال أوروبا 1993 بقيادة ديشان وبولي، وكيف تحولت الفرحة إلى فضيحة رشوة هزّت كرة القدم الفرنسية وغيرت مصير النادي.

 أسبوع المجد والعار الذي هز أوروبا

في الأسبوع الأخير من مايو 1993، كانت مدينة مرسيليا تعيش على صفيح ساخن، 3 نقاط فقط تفصل مارسيليا عن باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي، لكن الكابوس الحقيقي هو ميلان الأسطوري الذي ينتظرهم بعد 6 أيام في نهائي دوري الأبطال!

الخوف كان حاضرًا؛ الجميع يتذكر خيبة 1991 حين خطف الإرهاق اللقب من بين أيديهم لكن مارسيليا، دخل في سباق مع الزمن على جبهتين: فاز على فالنسيان 1-0، ثم أطاح بميلان في ميونخ بهدف تاريخي لبولي، وعاد بعدها بثلاثة أيام ليحسم الدوري بثلاثية في شباك باريس.

انتصارات متتالية صنعت أسبوعًا مثاليًا، أصبح فيه النادي بطل فرنسا وأوروبا... لكن خلف ستار المجد، كانت تُحاك خيوط فضيحة مدوية.

"مارسيليا دفع رشوة.. اللقب مزور!" ..كيف تحولت أحلام العظمة إلى أسوأ فضيحة في تاريخ الكرة الفرنسية؟ تابع القراءة لتكتشف كيف سقط العملاق من قمة أوروبا إلى قاع الدرجة الثانية!

من الحلم إلى الحصاد: سنوات بناء إمبراطورية مارسيليا

برنار تابي: الرجل الذي أراد تحطيم المستحيل

رئيس مارسيليا المثير للجدل، الملياردير العصامي، برنار تابي.

الرئيس المثير للجدل، الملياردير العصامي، برنار تابي اشترى النادي عام 1986، ووعد بجعله أقوى فريق في أوروبا، بدأ الرئيس مشروعًا جريئًا لتحويل النادي إلى قوة لا تُقهر، لم يكن يعرف كلمة "مستحيل"، فبدأ بضخ الأموال في سوق الانتقالات لجلب أفضل النجوم محليًا وعالميًا.

صفقات غيرت تاريخ النادي

وصل إلى فيلودروم أسماء صنعت الفارق: القائد الشاب ديديه ديشامب من نانت، المدافع الصلب باسيلي بولي، المهاجم الألماني رودي فولر، وصانع الألعاب أبيدي بيليهوبجانبهم، ووصل المدافع مارسيل ديسايي & الحارس الشاب فابيان بارتيز، واكتملت الكتيبة لتفرض هيمنتها على الدوري الفرنسي، حيث حصد مارسيليا أربعة ألقاب متتالية بين 1989 و1992.

الحلم الاوروبي تحول لكابوس مستمر!

بعد السيطرة المحلية كان الهدف الأكبر القارة العجوز، في 1990 وصل الفريق الي نصف النهائي وخسر أمام بنفكيا بفضل قاعدة الاهداف خارج الديار، وفي 1991 وصل الفريق لأول مرة إلى النهائي لكنه خسر بركلات الترجيح أمام النجم الأحمر الصربي بسبب الإرهاق الشديد، ليترك جرحًا غائرًا في ذاكرة اللاعبين والجماهير، تابي لم يستسلم، بل رأى في الخسارة وقودًا لمواصلة البناء فزاد الاستثمار ورفع جودة الفريق، حتى جاء ربيع 1993 ليكتب مارسيليا التاريخ جامعًا بين حلم فرنسا وأمجاد أوروبا.

السقوط: نهاية مأساوية لعصر ذهبي

الطريق المظلم قبل نهائي الحلم

كان الخوف من تكرار خيبة 1991 يسيطر على عقلية الرئيس برنار تابي، الفريق على بعد أيام من مواجهة ميلان في نهائي دوري أبطال أوروبا، لكن أمامه مباراة حاسمة في الدوري ضد فالنسيان تهدد بإرهاق النجوم وإصابتهم، في الكواليس بدأ التفكير في "حل غير رياضي" لضمان الحفاظ على الجاهزية البدنية قبل المعركة الأوروبية، وهنا وُلدت الخطة التي ستلطخ تاريخ النادي لعقود.

المكالمة المشبوهة.. بداية المؤامرة

أسند تابي المهمة إلى لاعبه جان جاك إيديلي، الذي كان على معرفة وثيقة ببعض لاعبي فالنسيان، خاصة خورخي بوروتشاغا وكريستوف روبرت، بحكم لعبهم معًا سابقًا في نانت، الرسالة من تابي كانت واضحة:

"لا نريد أن يتصرفوا مثل البلهاء وأن يرهقونا قبل المباراة النهائية مع ميلان."

إيديلي تواصل مع الثلاثيجاك غلاسمان، كريستوف روبرت، وخورخي بوروتشاغا، عارضًا عليهم المال مقابل تخفيف الجهد في المباراة. قبل بوروتشاغا وروبرت العرض، بينما رفض غلاسمان بشدة.

ليلة المباراة.. مسرح الأحداث

 20 مايو 1993، ملعب نونجيسير، أرض فالنسيان، الأجواء مشحونة لكن شيئًا ما كان مختلفًا، في الدقيقة 21، أحرز مارسيليا هدفه الوحيد عبر الكرواتي ألين بوكشيتش، لتبدأ ملامح "الخطة" بالظهور، بعد دقيقتين من الهدف خرج كريستوف روبرت من الملعب بداعي إصابة خفيفة بعد تدخل بسيط، وبين الشوطين دخل غلاسمان إلى غرفة المدرب بورو بريموراتش ليخبره عن المؤامرة، وفي الشوط الثاني، أخبر الحكم فينيل بالمعلومة ذاتها، لكنه تجنب ذكر أسماء اللاعبين المتورطين، وانتهت المباراة بفوز مارسيليا 1-0، وكتب الحكم في تقريره عن مزاعم غلاسمان، بعد صافرة النهاية بدقائق، كانت الشرطة الفرنسية داخل غرفة ملابس مارسيليا، تستجوب اللاعبين وسط ذهول الجميع، لم يكن أحد يعلم حينها أن هذه اللحظة ستكون الشرارة التي ستشعل واحدة من أكبر الفضائح في تاريخ كرة القدم الفرنسية، وتقود بطل أوروبا إلى الهاوية.

ماذا حدث بعد هذه الليلة؟

بعد أسبوعين فقط من مباراة فالنسيان، جاءت الضربة القاضية، كريستوف روبرت اتصل بالقاضي ليعترف بكل شيء، سرعان ما داهمت الشرطة حديقة منزل عمته، لتجد250 ألف فرنك فرنسي مدفونة هناك، برنار تابي حاول التغطية، زاعمًا أنها قرض لافتتاح مطعم، لكن الحقيقة خرجت للعلن في 17 يونيو حين أكد روبرت أن المال كان ثمن الرشوة.

في 30 يونيو، اقتحمت الشرطة مقر مارسيليا، واستجوبت لاعبين ومسؤولين خلال معسكرهم، جان جاك إيديلي اعترف بالدفع، فتم اعتقاله هو والمدير العام جان بيير برنيس بتهمة "الفساد النشط"، بينما اعتُقل روبرت لاحقًا، حتى زوجة روبرت، ماري كريستين، واجهت تهمة التآمر بعد اعترافها بدورها في جمع المال.

توالت الضربات:

  • سحب لقب الدوري الفرنسي لموسم 1992-1993، وهبوط الفريق إلى الدرجة الثانية.
  • منع مارسيليا من المشاركة في دوري أبطال أوروبا وكأس السوبر وكأس الإنتركونتيننتال.
  • إيقاف اللاعبين المتورطين حتى عام 1996 والحكم عليهم 6 أشهر مع أيقاف التنفيذ.
  • استقالة برنيس، والحكم عليه بالسجن لمدة عامين وقف التنفيذ.
  • إقالة تابي لاحقًا مع حظر مدى الحياة، والسجن لمدة أكثر من عامين وغرامة 20,000 فرنك فرنسي.

وسط كل هذا السواد، بقي اسم جاك غلاسمان يلمع كنقطة ضوء نادرة، بعدما كوفئ عام 1995 بـ جائزة الفيفا للعب النظيف لرفضه الانخراط في الفساد، ليبقى شاهدًا على أن النزاهة قد تهزم المال، حتى في أكثر اللحظات ظلمة.

إرث 1993.. المجد الممزوج بالعار

: فرحة لاعبي مارسيليا بلقب دوري أبطال أوروبا 1993، أول إنجاز أوروبي لنادٍ فرنسي.

رغم كل ما حدث، ما زال لقب دوري أبطال أوروبا 1993 يلمع في خزائن مارسيليا، كأول إنجاز أوروبي لنادٍ فرنسي، جماهير النادي ترى فيه لحظة فخر واعتزاز، بينما يراه آخرون عنوانًا لفصل أسود في تاريخ كرة القدم الفرنسية، وبينما طفت على السطح لاحقًا مزاعم عن وجود محاولات لرشوة فرق في مشوار دوري الأبطال نفسه، إلا أن تلك الادعاءات بقيت بلا أدلة ملموسة، لتظل الكأس الكبرى رسميًا باسم مارسيليا.

تلك قصة عن المجد الذي يرفعك إلى قمة العالم، والخطأ الذي قد يجرّك إلى أعماق السقوط، ورغم مرور العقود، فإن ذكرى 1993 تظل محفورة في ذاكرة كرة القدم كأحد أكثر المواسم إثارة للجدل في التاريخ.

ويبقي السؤال، هل تعتقد أن الألقاب تظل مشروعة حتى لو اكتُشف أن الطريق إليها كان معيبًا؟ وهل يمكن لفريق أن يضحّي بشرفه من أجل كأس.. ثم يعيش بسلام مع ضميره؟ شاركنا رأيك.. فلطالما كانت كرة القدم مرآة لأعمق تناقضات البشر!




تعليقات