القصة التي كان يمكن أن تغيّر وجه الكرة
الإيطالية إلى الأبد
في صيفٍ لا
يُنسى من عام 2006، كانت شوارع روما وميلانو وتورينو تتزين بالأعلام الثلاثية،
وأصوات الأبواق تملأ السماء احتفالاً بمجدٍ طال انتظاره… إيطاليا بطلة العالم بعد ملحمة برلين
الخالدة..
لكن ما
لبثت الفرحة أن تحولت إلى زلزال هز أركان الكرة الإيطالية من جذورها، حين انفجرت
فضيحة “الكالتشيو بولي” كقنبلة في وجه الأبطال، المدعي العام يتحدث عن تلاعب،
المحاكم تشتعل، والعناوين في الصحف تصرخ: "يوفنتوس إلى الدرجة الثانية"
تلك اللحظة
كانت أكثر من مجرد حكم… كانت نهاية عصرٍ كامل.
الفريق
الذي ضم بوفون وكانافارو ونيدفيد وديل بييرو وجد نفسه من قمة العالم إلى ظلام
الدرجة الثانية.
العالم
كله وقف مذهولًا: كيف يمكن أن يسقط عملاق بهذه الطريقة؟
لكن ماذا
لو لم يحدث ذلك؟
ماذا
لو لم تُسقط العدالة يوفنتوس من عرشه؟
هل
كانت الكرة الإيطالية ستشهد هيمنة سوداء وبيضاء تمتد لعقدٍ من الزمن؟
يوفنتوس بدون الهبوط: أوروبا ترتجف
في عالمٍ موازٍ، لم يكن صيف 2006 صيف الفضيحة، بل صيف المجد
المتواصل،
غيوم “الكالتشيو بولي” انقشعت سريعًا، تاركة يوفنتوس في مكانه الطبيعي: على القمة،
في هذا العالم لم يُجرَّ الفريق إلى المحاكم أو يُجرد من ألقابه؛ بل استغل زخم
الفوز بكأس العالم ليبني إمبراطورية جديدة تُرعب أوروبا كلها.
لم يضطر ان يترك يوفنتوس أبناءه في هذا العالم، بل كانت
الإدارة تتحرك بسرعة، لا لحماية الاسم فقط، بل لتدعيمه بنجوم جدد من طراز فرانك
ريبيري ودانييلي دي روسي الشاب، مع مشروع طموح يقوده فابيو كابيلو.
واصل يوفنتوس هيمنته المحلية كأنه آلة لا تعرف التوقف، فحصد
لقب الدوري الإيطالي للمرة الثالثة على التوالي بأداء جعل الجميع يتحدث عن “العصر
الذهبي الجديد” في تورينو،
لم تعد البطولة المحلية هدفًا، بل أصبحت واجبًا روتينيًا، أما التفكير الحقيقي
فكان في أوروبا، العمق أصبح مثاليًا بعد الحفاظ على التشكيلة الأساسية ودعمها
بعناصر الخبرة والطموح، لتتحول كتيبة البيانكونيري إلى “الوحش الأوروبي” الذي
ترتجف أمامه الفرق الكبيرة.
وفي موسم دوري أبطال أوروبا 2006/2007، واصل يوفنتوس عروضه
المبهرة في القارة العجوز،
الفريق كان يُقدِّم كرة قدم منظمة وصلبة تُذكّر بأيام المجد الإيطالي الخالص وفي نصف نهائي، وقف السير أليكس فيرغسون
ومانشستر يونايتد وجهاً لوجه أمام العاصفة الإيطالية، في ليلةٍ خالدة في الديلي
آلبـي، أطلق اليوفي العنان لغضبه الكروي، فاز بثلاثية نظيفة وسط تصفيق الجماهير
التي شعرت بأنها تعيش عصرًا لا يُقهر، وفي أولد ترافورد، اكتفى بالتعادل 1-1 ليحجز
بطاقة النهائي بثقة الأبطال.
وفي أثينا، كان الموعد المنتظر، ليفربول في الجانب الآخر،
والحديث يشتعل في الصحافة عن “إعادة نهائي هيسل” ولكن هذه المرة على أرضٍ جديدة، ومرة
أخري تفوق اليوفي بفضل هدفين لديل بييرو الذي قاد الفريق نحو المجد بثنائية لا
تُنسى، لتنطلق الاحتفالات من مدرجات أثينا إلى شوارع تورينو.
تحت الأضواء، رفع الأسود والأبيض الكأس ذات الأذنين للمرة
الثالثة في تاريخه، والعالم كله يردد العنوان ذاته
“يوفنتوس… من مجد العالم إلى
قمة أوروبا دون أن يسقط أبدًا.”
العودة للواقع.. حيث انهارت
القلعة
في
العالم الحقيقي، العالم الذي ضربت فيه فضايا الكالتشيو بولي مثل الزلزال،
جاء القرار كالصاعقة: يوفنتوس يُجرد من
لقبيه في الدوري ويُهبط إلى الدرجة الثانية؛ كان القرار كارثة وجودية، أجبر الفريق
على بيع نجومه كشرط للبقاء ماليًا، أصبح يوفنتوس سوقًا مفتوحًا لأندية
أوروبا، التي التهمت نجومه واحدًا تلو الآخر.
في لحظة، انهار مشروع عملاق كان على وشك السيطرة على أوروبا،
رحل كانافارو أفضل لاعب في العالم مع أيمرسون الي ريال مدريد، وأشتري أنتر
أبراهيموفيتش وفييرا، كما رحل تورام وزامبروتا الي برشلونة! لم يتبق سوى ديل بييرو وبوفون ونيدفيد وكيليني،
الذين قرروا البقاء ليحملوا الراية في زمن الانكسار.
رحيل النجوم لم يكن مجرد تغيير في التشكيلة؛ كان
تفكيكًا لروح الفريق لقد فقد اليوفي هويته وقوته وعزيمته، لم
يضعف الفريق فحسب، بل قوى منافسيه المباشرين، خاصة إنتر ميلان الذي سيطر على
الدوري الإيطالي لسنوات بعدها.
لقد كافح اليوفي بشجاعة للعودة إلى الدوري الإيطالي في
موسم واحد، لكن العودة إلى القمة استغررق سنوات طويلة، كانت المشاكل
والمراهنات التي خلفتها الفضيحة أعمق من أن تُحل بين عشية وضحاها لقد ضاع عقد
كامل من الهيمنة المحتملة، وضاعت فرصة جيل ذهبي من اللاعبين لكتابة إرث لا يُنسى
مع القميص المخطط.
درس في هشاشة المجد
في النهاية، تظل قصة يوفنتوس 2006 واحدة من أكثر الحكايات
التي تحمل في طياتها “ماذا لو؟” مؤلمة في تاريخ كرة القدم، ما بين مجدٍ كان يُصنع
على أرض الملعب وانهيارٍ حدث خلف الأبواب المغلقة، ضاعت أعوامٌ كان يمكن أن تغيّر
شكل القارة العجوز بأكملها، تخيّل فقط لو لم يسقط اليوفي… كم بطولة كان سيضيفها؟
كم نجم كان سيبقى؟ وكم فريق كان سيحرم من المجد الذي ناله بفضل تلك الفضيحة؟
كرة القدم لا ترحم، لكنها لا تنسى، ويبقى السؤال الذي
يُطارد كل مشجع للسيدة العجوز ولمشجعي الكرة الايطالية حتى اليوم: هل تعتقد أن يوفنتوس
كان سيسيطر على أوروبا لو لم يهبط في 2006؟
(المصادر)
1- لمحة سريعة — ماذا حدث في الكالتشيو بولي؟
3- سوق
أنتقالات اليوفي في 07/2006