في الكامب نو، حيث تُصنع الأساطير وتُكتب الفصول الأجمل في
تاريخ كرة القدم، كان للسحر البرازيلي دائمًا لمسته الخاصة، أولئك
السحرة الذين جعلوا من كرة القدم فناً، هذا ليس نقاشاً عادياً؛ إنها معركة بين
عصور مختلفة، بين فلسفات متباينة للعبة الجميلة. إنه جدل يحتدم في المقاهي وعلى
منصات التواصل، ولا توجد إجابة واحدة قاطعة. اليوم، سنحاول الإجابة على هذا السؤال
من خلال رحلة نستعرض فيها إرهاب روماريو، وأسطورة رونالدو، وعبقرية ريفالدو، وسحر
رونالدينهو، وتمرد نيمار، وصرامة داني ألفيس. استعد لرحلة مليئة بالإحصائيات المذهلة
والذكريات التي لا تنسى.… هولاء جعلوا قميص البلوغرانا أكثر بريقًا،
برشلونة وجد فيهم الروح التي تتناغم مع فلسفة التيكي-تاكا، ووهبهم المسرح ليتركوا
بصمة خالدة، لكن السؤال الذي لا يزال يثير الجدل بين عشاق اللعبة:
من هو البرازيلي الذي يمكن اعتباره الأعظم في تاريخ
برشلونة؟
روماريو – الهداف السحري
الذي أشعل الكامب نو
حين جاء روماريو إلى برشلونة في صيف 1993، لم يستغرق وقتًا
ليترك بصمته. في موسمه الأول، قاد البلوغرانا للتتويج بلقب الدوري الإسباني
بتسجيله 30 هدفًا في 33 مباراة، وبأسلوبه المراوغ وذكائه أمام المرمى، منح
الجماهير إحساسًا أن كل كرة تلمس قدميه قد تنتهي في الشباك. روماريو لم يكن لاعبًا
عاديًا، بل أيقونة هجومية صنعت من هجوم برشلونة ماكينة أهداف لا تتوقف، كانت أهميته تتجاوز الأرقام؛
كانت تلك اللمسة الواحدة داخل المنطقة، والتوقيت المثالي للانطلاق، والرباطة الجأش
أمام المرمى هي ما جعلته أسطورة. غادر مبكراً، لكنه ترك وراءه سؤالاً: ماذا لو بقي
لفترة أطول؟
رونالدو – موسم استثنائي
بأقدام الظاهرة
قد يكون رونالدو البرازيلي هو الأكثر
موهبة بين كل من ارتدوا الحذاء. وصل إلى برشلونة في عام 1996 شاباً مراهقاً،
وانفجر كنيازك في سماء الكاتالونية. في موسمه الوحيد (1996-1997)، سجل 47 هدفاً في
49 مباراة في جميع البطولات، وأبهر العالم بانطلاقاته وقوته الخارقة أمام
المدافعين. ظاهرة كروية لم تعرف الرحمة، قاد برشلونة للتتويج بكأس الكؤوس
الأوروبية وكأس ملك إسبانيا
وكأس سوبر أسبانيا، وأثبت أن الموسم الواحد قد يكون كافيًا
ليحفر اللاعب اسمه في تاريخ النادي.
ريفالدو – الساحر الذي أبهر
أوروبا
إذا أردت الحديث عن الكبرياء والقوة المجسدة في لاعب،
فإن ريفالدو هو نموذجك المثالي، في الفترة بين 1997 و2002، كان
هو القائد والمحور الذي يدور حوله الفريق، لم يكن مجرد هداف، بل كان صانع ألعاب
ومحركاً للعب كله، حقق
لقب الدوري الإسباني مرتين، وكأس أسبانيا مرة وحصد الكرة الذهبية عام 1999 وهو
بقميص البلوغرانا، ما جعل ريفالدو أيقونة خالدة لم يكن فقط عدد أهدافه (130 هدفًا
في 235 مباراة)، بل لحظاته التي تخطف الأنفاس، وأشهرها "الهاتريك
التاريخي" في مرمى فالنسيا، ريفالدو لم يكن مجرد لاعب يسجل، بل كان يغيّر
مسار المباريات بمفرده، قائدًا بالموهبة، ورمزًا لجيل كامل من مشجعي الكامب نو
الذين لم ولن ينسوا بريقه.
رونالدينيو – الساحر الذي
أعاد الروح
حين كان برشلونة يبحث عن طوق نجاة يعيد إليه مكانته
المفقودة في مطلع الألفية، ظهر رونالدينيو كهدية من السماء. منذ وصوله في صيف
2003، تحوّل الكامب نو إلى مسرح للحلم، حيث كان البرازيلي يرسم لوحات من السحر في
كل لمسة. لم يكن مجرد صانع ألعاب أو هداف، بل كان قائدًا بالابتسامة وروح المتعة،
قاد الفريق لتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا 2006 بعد غياب طويل، ولقبين متتاليين في
الليغا، وأعاد برشلونة إلى قمة أوروبا والعالم. تأثيره لم يقتصر على الألقاب، بل
امتد ليشعل شرارة جيل جديد من اللاعبين الذين تربوا على سحره، أبرزهم ليونيل ميسي
الذي اعترف مرارًا أنه تعلم من رونالدينيو معنى الحرية في الملعب. ولعل أصدق صورة
لهيمنته الكروية، حين وقف جمهور ريال مدريد في سانتياغو برنابيو ليصفق له بعد أداء
أسطوري، لحظة نادرة جعلت الساحر البرازيلي أيقونة عالمية، ورمزًا للمتعة التي لا
تُنسى.
نيمار – خليفة السحر وصانع
المعجزات
حين تعاقد برشلونة مع نيمار في صيف 2013،
كان التحدي كبيرًا: هل يستطيع هذا الشاب البرازيلي أن يحمل إرث السحر الذي صنعه
أسلافه مثل رونالدينيو وريفالدو؟ الجواب جاء سريعًا على المستطيل الأخضر. إلى جانب
ميسي وسواريز، صنع نيمار مثلث "MSN" الذي
أرعب أوروبا بأكملها، مسجلًا 364 هدفًا في ثلاثة مواسم فقط. وكان دوره حاسمًا في
الخماسية التاريخية عام 2015، حيث سجل في النهائي أمام يوفنتوس ليضع بصمته على
المجد الأوروبي. لكن ذروة لحظاته جاءت في مارس 2017، في ليلة
"الريمونتادا" أمام باريس سان جيرمان، حين رفض الاستسلام وقاد الثورة
الكتالونية بهدفين وصناعة هدف في آخر سبع دقائق. نيمار جمع بين الموهبة البرازيلية
الخالصة والقدرة على الحسم في أصعب اللحظات، وأثبت أنه لم يكن مجرد جناح مهاري، بل
نجم قادر على صنع الفارق في الليالي الكبرى. لقد ترك بصمته في تاريخ برشلونة،
كخليفة شرعي لسحر البرازيل الذي جعل الكامب نو يهتز بالتصفيق والدهشة.
داني ألفيس – الظهير الافضل
في تاريخ النادي
منذ لحظة وصوله من إشبيلية عام 2008، أصبح داني ألفيس أكثر من مجرد ظهير أيمن، بل كان شريانًا نابضًا في منظومة بيب جوارديولا. لم يكن دوره مقتصرًا على الدفاع، بل تحول إلى جناح إضافي يصنع المساحات لميسي، ويمد الهجوم بتمريرات ساحرة جعلت برشلونة أخطر فرق العالم. أرقامه تتحدث عن نفسها: 101 تمريرة حاسمة، وأكثر من 400 مباراة بقميص البلوجرانا، و23 لقبًا في خزائنه، منها ثلاث بطولات دوري أبطال أوروبا وخمس بطولات ليغا. كان ألفيس حاضرًا في كل ليلة كبيرة؛ سواء بانطلاقاته التي لا تهدأ أو بروحه القتالية التي جعلته رمزًا للشغف الكروي. بالنسبة لبرشلونة، لم يكن ألفيس مجرد لاعب أجنبي ناجح، بل أسطورة غيرت مفهوم الظهير العصري، وأثبت أن الأجنحة يمكن أن تبدأ من الخلف لتصنع التاريخ في الأمام.
السحر البرازيلي لا ينطفئ في كتالونيا
بعد هذه الجولة بين العمالقة، نعود إلى نقطة البداية: من هو
الأفضل؟، روماريو كان إعصاراً موسمياً. رونالدو كان
ظاهرة فريدة. ريفالدو كان
العملاق المتكامل. نيمار كان
الموهبة المدمرة في تشكيلة جماعية. داني
ألفيس كان الأكثر تتويجاً، لكن رونالدينهو يملك حجة قوية. لم يكتفِ
بقدراته الخارقة التي أبهرت العالم، بل كان المحفز الحقيقي لنهضة برشلونة
الحديثة. هو من أعاد الإيمان
والبهجة.
في النهاية، قد تختلف الإجابة حسب الجيل الذي تنتمي إليه،
وقيمة التي تضعها للروح مقابل الأرقام، أو للموسم الواحد الأسطوري مقابل العطاء
الطويل. هذا الجدل الجميل نفسه هو دليل على ثراء تاريخ برشلونة، وأن عرش البرازيلي
الأفضل في الكامب نو، سيبقى دائماً محل نقاش وشغف.