موسم الجنون في الليغا.. عندما بكت لاكورونيا وابتسمت كتالونيا

موسم الجنون في الليغا.. عندما بكت لاكورونيا وابتسمت كتالونيا

أستعد لرحلة إلى الماضي. شاهد قصة الدوري الإسباني 1993-1994 المثيرة، حيث انتهت المنافسة في الجولة الأخيرة بمواجهة مباشرة بين برشلونة وديبورتيفو لا كورونيا في واحدة من أكثر الختامات إثارة في تاريخ الكرة.
 لم يكن موسم 1993–1994 في الدوري الإسباني مجرد بطولة أخرى من بطولات برشلونة في عصر يوهان كرويف الذهبي، بل كان واحدًا من أكثر المواسم درامية وإثارة في تاريخ كرة القدم الأوروبية، لم يكن ريال مدريد طرفًا في الصراع، ولا حتى أتلتيكو مدريد المعتاد على الأدوار الكبرى، بل ظهر فريق من الشمال الإسباني، ديبورتيفو لاكورونيا، ليكسر القواعد ويقف على أعتاب المعجزة

حتى اللحظة الأخيرة، وحتى الركلة الأخيرة، لم يعرف أحد لمن سيذهب اللقب. موسم كتب فيه القدر أجمل فصول التشويق الكروي… قبل أن يُسدل الستار بمشهد لا يُنسى.

خريطة الموسم: سيطرة كاتالونية ونهوض غاليسي

في تلك الحقبة، كانت الليغا تمرّ بمرحلة تحوّل، برشلونة كرويف كان قد صنع ثورة في كرة القدم الإسبانية بأسلوب «الكرة الشاملة»، وفاز بثلاثة ألقاب متتالية (1991، 1992، 1993).

لكنّ موسم 1993–1994 بدا مختلفًا منذ بدايته، لأن فريقًا قادمًا من الظل قرر أن يقف أمام «فريق الأحلام».ديبورتيفو لاكورونيا، النادي المتواضع الذي صعد قبل موسمين فقط من الدرجة الثانية،  وكان ينافس علي الهبوط مرة أخري، فجّر المفاجأة وأصبح المنافس الأول على اللقب بقيادة المدرب أرسينيو إغليسياس ومجموعة من اللاعبين الرائعين: ماورو سيلفا، دوناتو، بيبيتو، وكلاوديو باراغان.

برشلونة بدوره احتفظ بنجومه الكبار: روماريو، ستويشكوف، كومان، وغوارديولا، بقيادة كرويف الذي كان يبحث عن لقبه الرابع على التوالي.

الدور الأول: المفاجأة التي أربكت الجميع

جدول ترتيب الدور الاول من الدوري الاسباني 1993-1994.

منذ صافرة البداية، بدا موسم 1993–1994 مختلفًا عن كل ما عرفه عشاق الليغا، لم تكن المفاجأة في تألق برشلونة أو ريال مدريد، بل في سقوطهما المتكرر أمام منافسين أقل اسمًا وأكثر شغفًا.

ريال مدريد، صاحب التاريخ والنجوم، عانى انهيارًا مفاجئًا، فخسر6  مباريات وتعادل في 3، في منتصف الموسم، ليجد نفسه متخبطًا خارج دائرة المنافسة على اللقب بشكل شبه كامل.

ولم يكن حال برشلونة تحت قيادة كرويف مثاليًا رغم مكانته، فبينما كان "فريق الأحلام" يسحق الخصوم أحيانًا، كان يعاني من عدم الاستقرار خارج ملعب الكامب نو، حيث سقط في 4 هزائم وتعادل في 4 مباريات أخرى، هذا التذبذب فتح الباب على مصراعيه للمفاجأة القادمة من الشمال.

في هذا المشهد، برز ديبورتيفو لا كورونيا كقوة منضبطة وصادمة، بقيادة البرازيلي الساحر بيبيتو والمدرب التكتيكي أرسينيو إغليسياس، فكان يسير بخطى ثابتة كمن يعرف طريقه نحو الحلم، فريق منظم، متماسك، يعرف كيف يفوز في الصعب قبل السهل، أنهى النصف الأول من الموسم بهزيمتين فقط و5 تعادلات، ليتربع على القمة بفارق 3  نقاط عن برشلونة.

وجاء الترتيب عند نهاية الدور الأول كالتالي:

1️ديبورتيفو لاكورونيا بـ29 نقطة
2️برشلونة بـ26 نقطة
3️خيخون المفاجأة الاخري بـ24 نقطة
4️ريال مدريد بـ23 نقطة

الصحافة الإسبانية كانت أمام حكاية جديدة، وكتبت العناوين وقتها:
سوبر ديبور… الفريق الذي قلب هرم الليغا رأسًا على عقب.”

الجولات الأخيرة: الأعصاب تحترق

كان كل شيء يشير إلى أن الحلم في طريقه نحو لاكورونيا، حتى الجولة الـ23، حافظ ديبورتيفو على صدارته بصلابة لا تُصدق، رغم تعثره أمام ريال مدريد بثنائية نظيفة، ظل متماسكًا ومتصدرًا الترتيب،
أما برشلونة، فكان يبدو وكأنه فقد البوصلة؛ ثلاث هزائم في أربع مباريات جعلت كتيبة كرويف تتراجع إلى المركز الثالث بـ28 نقطة، خلف ديبورتيفو المتصدر بـ34، وريال مدريد بـ29 نقطة.

لكن كما العادة مع برشلونة كرويف، الانهيار لم يكن سوى مقدمة لنهضة أسطورية، بعد تلك الجولة، بدأ الفريق في استعادة توازنه، واشتعلت ماكينة الأهداف بقيادة الساحر البرازيلي روماريو، الذي سجّل أهدافًا لا تُنسى، وجعل الكامب نو يهتز من جديد.

فاز برشلونة على الديبور بثلاثية نظيفة في الجولة الـ26، ثم قدّم عرضًا من الخيال أمام أتلتيكو مدريد بفوز 5–3  في الجولة الـ28، ومنذ تلك اللحظة، لم يعرف الفريق طعم الهزيمة، تعادل مرتين فقط، وانتزع فوزًا تاريخيًا على ريال مدريد في البرنابيو بهدف نظيف في الجولة الـ37، ليُشعل الليغا قبل جولتها الأخيرة.

أما ديبورتيفو، فبعد سقوطه في الكامب نو دخل في دوامة لم يعرف كيف يخرج منها، سلسلة من التعادلات المفاجئة جعلت الفارق يتبخر أمام أعين جماهيره، الذين بدأ القلق يتسلل إلى قلوبهم، وصلنا إلى الجولة الـ38… الجولة التي حبس فيها كل إسباني أنفاسه.

والترتيب كان كالتالي:

1️ديبورتيفو لاكورونيا – 55 نقطة
2️
برشلونة – 54 نقطة
3️
ريال مدريد – خرج من المنافسة بـ45 نقطة

فوز ديبورتيفو أمام جماهيره على فالنسيا يعني اللقب الأول في تاريخه، أما أي تعثر، مع فوز برشلونة على إشبيلية، فسيمنح أبناء كرويف لقبهم الرابع على التوالي بنتيجة مجموع اللقاءين (3-1 لبرشلونة).

الجولة الأخيرة: الركلة التي غيرت التاريخ

كان يوم 14 مايو 1994 أشبه بيوم القيامة الكروية في إسبانيا، كل الأنظار كانت متجهة نحو ملعب ريازور في لاكورونيا، حيث يستضيف ديبورتيفو فريق فالنسيا في مباراة قد تكتب التاريخ، بينما في برشلونة كانت الجماهير تملأ مدرجات الكامب نو، عيونهم على فريقهم، وآذانهم معلقة بشمال البلاد… ينتظرون خبراً من ريازور.

جماهير ديبورتيفو كانت على أتم استعداد للاحتفال باللقب الأول في تاريخ النادي، الأعلام الزرقاء والبيضاء تملأ المدرجات، وأصوات الطبول لا تتوقف، لكن في الكامب نو، الوضع كان أكثر توتراً… فبرشلونة لم يكن يملك مصيره بيده. عليه أن يفوز، ثم ينتظر "هدية" من فالنسيا.

بدأت المباراة في ريازور بحذر شديد من الطرفين، والقلق يسيطر على اللاعبين، بينما في برشلونة وقع ما لم يكن في الحسبانإشبيلية يتقدم بهدفين مقابل هدف في الشوط الأول، بينما انتهى الشوط في لاكورونيا بالتعادل السلبي.

في الكامب نو، لم يستسلم رجال كرويف دخلوا الشوط الثاني كأنهم يدركون أن اللقب لا يزال ممكنًا،
سجّل ستويكشوف هدف التعادل في الدقيقة 50، ثم اشتعلت المدرجات وبعدها بعشرين دقيقة، أضاف النجم البرازيلي روماريو هدف التقدم، قبل أن يوقع لاودروب على الثالث، ويختتم باكيرو العرض بهدف خامس في الدقيقة 87، برشلونة أنهى مهمته بنجاح… لكن مصير الدوري الآن بيد ديبورتيفو.

وفي ريازور، كانت الدقائق تمر ببطء قاتل، الدقيقة 89، والنتيجة ما زالت 0–0، إلى أن حدثت اللحظة التي لا تُنسى، خطأ داخل منطقة الجزاء، صافرة الحكم ترتفع، ركلة جزاء لديبورتيفو، الملعب ينفجر، الجماهير تصرخ، واللاعبون يحتضنون بعضهم البعض اللقب على بُعد ركلة واحدة فقط.

يتقدم ديوكيتش لتنفيذها الكل واقف على أطراف المقاعدصمت رهيب، الأنفاس محبوسة، التاريخ ينتظر، يسددها أرضية ضعيفة و الحارس يتصدى لها بسهولة، ينفجر الصمت في ريازور، يتحول الحلم إلى كابوس، اللاعبون يسقطون على الأرض باكين، والجماهير تضع أيديها على رؤوسها، غير مصدقة ما حدث.

وفي المقابل، تنقل الكاميرات مشهدًا مغايرًا تمامًا من الكامب نوفرحة جنونية، ألعاب نارية، صراخ لاعبين وجماهير في آنٍ واحد: برشلونة بطل الدوري الإسباني للمرة الرابعة على التوالي.

انتصار بالورقة والقلب.. وخسارة بالقدم والذاكرة

أحتفالات برشلونة باللقب.

لم يكن الدوري الإسباني 1993-1994 مجرد بطولة فاز بها برشلونة، لقد كانت قصة إنسانية بامتياز، قصة عن فريق (ديبورتيفو) تحدى كل التوقعات وكاد يكتب أسطورة، لكن كرة القدم وكعادتها كانت قاسية، وقصة عن فريق آخر (برشلونة) أثبت أن الأبطال الحقيقيين لا يستسلمون حتى ثانية الاخيرة.

في لحظة واحدة تحوّل الفرح إلى دموع، وتحولت ركلة جزاء إلى لعنة ستُروى لأجيال، موسم 1993–1994 سيبقى شاهداً على أن كرة القدم لا ترحم، وأن المجد لا يأتي إلا بثمنٍ باهظ، فمن بين كل المواسم الدرامية في الليغا… أيّها بقي عالقاً في ذاكرتك؟ وهل كنت تتذكر تلك الليلة المجنونة؟ ⚽🔥

المصادر

1.      جدول ونتائج مبارايات الدوري الاسباني بالكامل في موسم 1993/94

2.     ركلة الجزاء التي منحت برشلونة اللقب  

3.     أهداف لقاء برشلونة وأشبيلية والاحتفالات بعد الفوز باللقب

تعليقات