ما هي الصفقة الأسوأ في تاريخ ريال مدريد الحديث؟

ما هي الصفقة الأسوأ في تاريخ ريال مدريد الحديث؟

من هي الصفقة الأسوأ في تاريخ ريال مدريد الحديث؟

المدخل السردي: الوجه القاتم لأحلام "الغالاكتيكوس"

ريال مدريد، قلعة كرة القدم العالمية، لطالما كان مرادفاً للعظمة، وشعاره الأبدي هو البحث عن أفضل المواهب في الكوكب، تحت قيادة فلورنتينو بيريز، تحولت سياسة النادي إلى استقطاب "الغالاكتيكوس"؛ النجوم الذين يجمعون بين القيمة الفنية والجذابية التسويقية، هذه السياسة نجحت في جلب أساطير من زيدان حتي كريستيانو رونالدو وفينيسيوس جونيور لمبابي، لكنها أيضاً أخفت خلف بريقها وجهاً قاتماً: صفقات كبرى كلّفت النادي مئات الملايين ولم ينتج عنها سوى الحسرة والإخفاق المالي والفني الذريع.

في سلسلة "من الأفضل؟" اليوم، نحن لا نبحث عن الأفضل، بل نبحث عن الأسوأ، وتحديد الصفقة الأسوأ في تاريخ ريال مدريد الحديث، فمن روبين الجناح الطائر مروراً بكاكا الذي حمل آمال "العصر الذهبي"، إلى إيدين هازارد الذي وُصف بأنه "خليفة رونالدو"، حكاية الفشل في ريال مدريد لم تكن دائمًا عن سوء الأداء فقط، بل عن صراع بين المجد الشخصي وضغط النادي الأعظم في العالم.

فمن هي الصفقة الاسوأ ؟!

🤕 أريين روبين: موهبة أفسدتها غرفة العلاج (2007)

قبل رحيله إلى بايرن ميونخ، كان "الطائر الهولندي" روبن أحد أكثر اللاعبين موهبة في جيله، اشتراه ريال مدريد من تشيلسي في صيف عام 2007 مقابل 36  مليون يورو، ليكون أحد أبرز الوجوه في مشروع بيريز الأول، لكن في مدريد، لم يجد روبن نفسه وسط فوضى التغييرات الفنية والإدارية، الإصابات طاردته، حيث كان يعاني من إصابات عضلية متكررة ودائمة، لدرجة أن الجماهير أطلقت عليه لقب "اللاعب الزجاجي"والانسجام المفقود في غرفة الملابس جعله يبدو دائمًا ضيفًا مؤقتًا.

في موسمين فقط، خاض روبن 65  مباراة سجل خلالها 13  هدفًا وصنع 14، قبل أن يُباع إلى بايرن ميونخ عام 2009 مقابل 25  مليون يورو.

هنا يكمن الوجه القصصي لخيبة الأمل؛ فمبلغ 36  مليون يورو لم يكن مجرد رقم عادي في 2007، بل كان يمثل ثاني أغلى صفقة في ذلك الصيف عالمياً، متأخراً بفارق ضئيل فقط عن صفقة فرناندو توريس إلى ليفربول (38 مليون يورو)، مما يؤكد أن التوقعات كانت تحمله على الأعناق ليكون القائد الهجومي الجديد للفريق، لقد جاء روبين حاملاً معه إرثاً لامعاً من تشيلسي، حيث قادهم للفوز بلقبي دوري إنجليزي، مقدماً لمحات فنية ساحرة جعلته من أخطر الأجنحة في العالم، لكن المردود الفني المتدني في مدريد لم يكن متناسباً أبداً مع هذا الاستثمار القياسي أو السمعة الضخمة، لدرجة أن ريال مدريد تخلص منه في موجة "الغالاكتيكوس 2.0" بخسارة مالية مباشرة بلغت 11  مليون يورو (دون حساب رواتبه)، لقد كانت صفقة روبين دليلاً على أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن الإدارة الفاشلة لملف الإصابات والحفاظ على اللاعبين يمكن أن تحول استثماراً كان يجب أن يكون أسطورياً إلى واحدة من أسوأ صفقات ريال مدريد في تاريخه الحديث.

📉 ويسلي شنايدر: نجم احترق سريعاً (2007)

وصل ويسلي شنايدر مع مواطنه روبين إلى العاصمة الإسبانية في صيف 2007، قادماً من أياكس مقابل 27 مليون يورو، لم يكن هذا المبلغ بسيطاً؛ فقد وضعه ضمن قائمة أغلى عشر صفقات عالمياً في ذلك الميركاتو، وكانت التوقعات تحاصره بوصفه "زيدان الجديد"، نظراً لرؤيته الثاقبة وقدرته على التحكم بإيقاع اللعب، شنايدر جاء من مدرسة أياكس، حيث كان أحد نجومها اللامعين وفاز معها بلقب الدوري الهولندي، مما جعل الجماهير الملكية تعقد عليه آمالاً كبيرة ليكون العقل المدبر للفريق.

في موسمه الأول، كاد شنايدر أن يفي بالوعد؛ فقدّم أداءً مبهرًا بتسجيل 9  أهداف وصناعة 9  تمريرات حاسمة في الليغا، وساهم بقوة في تحقيق اللقب المحلي، لكن سرعان ما تدهور مستواه بشكل درامي بسبب تراجع الانضباط والمشاكل الشخصية، بالإضافة إلى تداعيات الإصابات التي أثرت على أدائه، في صيف 2009، ومع وصول موجة "الغالاكتيكوس 2.0" تم التخلص من شنايدر وبيعه لإنتر ميلان بعد 66  مباراة فقط لعبها، في خطوة أشبه بالتهور الإداري، لقد كان فشل ريال مدريد في توظيف موهبة شنايدر بشكل كامل مؤلماً، ولكنه تحول إلى إخفاق إداري صارخ عندما قاد شنايدر إنتر ميلان لاحقاً لتحقيق الثلاثية التاريخية في عام 2010، وكان منافساً قوياً على جائزة الكرة الذهبية في ذلك العام، هذه الصفقة لم تكن خسارة مالية فحسب، بل كانت درساً قاسياً في سوء التقدير، حيث تخلى ريال مدريد عن نجم عالمي مستقبلي في أوج عطائه ليراه يتألق ويحصد المجد مع منافسيه، مما يجعله فشلاً إدارياً لا يقل سوءاً عن الفشل الفني.

💔 ريكاردو كاكا: غياب السحر وتأثير المنافسة  (2009)

حين أعلن فلورنتينو بيريز في صيف 2009 عن صفقة ضم البرازيلي ريكاردو كاكا من ميلان مقابل 67  مليون يورو، كان الجميع يتخيل عودة "السحر الملكي"، فكاكا كان أفضل لاعب في العالم 2007، والمنافس الرئيسي لرونالدو وميسي، والتوقع المطلق أن يقود كاكا خط وسط ريال مدريد فنياً، لكنه اصطدم بسلسلة من الإصابات المتكررة، أبرزها في الركبة، والتي أثرت على سرعته وقدرته على المراوغة، في أربع سنوات قضاها في البرنابيو، لعب كاكا 120  مباراة فقط في جميع المسابقات، وسجل 29  هدفاً وصنع 32  هدفاً، وهي إحصائيات متواضعة جداً بالنظر إلى قيمته وتوقعات الجماهير به كأحد قادة "الغالاكتيكوس 2.0"

إن حجم هذه الخسارة يروي قصة ألم أكبر؛ فمبلغ الـ67  مليون يورو في عام 2009 كان ضخماً جداً، ووضع كاكا كثالث أغلى صفقة في ذلك الصيف، وصل البرازيلي إلى البرنابيو متوجاً بكل مجد ممكن مع ميلان، حيث فاز معهم بـ دوري أبطال أوروبا، وحصل على الكرة الذهبية، أي أن ريال مدريد دفع مقابل "القمة المطلقة" للاعب، لكن المردود الفني تدهور سريعاً، وزاد الطين بلة أن سحر كاكا طغى عليه وصول رونالدو في نفس الصيف، ليجد البرازيلي نفسه نجماً ثانوياً في فريق كان من المفترض أن يقوده لقد غادر كاكا النادي في عام 2013 مجاناً، تاركاً وراءه فجوة بين الاستثمار الهائل والإنتاج الضئيل، مما يجعلها إحدى أسوأ الصفقات في تاريخ ريال مدريد الحديث من حيث التناسب بين التكلفة والمردود.

📉 لوكا يوفيتش: الفشل الكشفي والمالي المزدوج (2019)

تعتبر قصة المهاجم الصربي لوكا يوفيتش مثالاً كلاسيكياً للفشل المزدوج الذي يجمع بين سوء التقدير الكشفي والمالي، وصل يوفيتش في صيف 2019 قادماً من آينتراخت فرانكفورت بعد موسم واحد مبهر، مقابل 66  مليون يورو، هذا المبلغ كان ضخماً، حيث وضع الصفقة ضمن المركز العاشر لأغلى الصفقات في ذلك الصيف عالمياً، وكانت التوقعات تشير إلى أنه "الوريث الشرعي" لكريم بنزيما والمهاجم المستقبلي لريال مدريد، خاصة بعد أن سجل 27  هدفاً وقدم أداءً نارياً في الدوري الأوروبي مع ناديه السابق.

لكن ما حدث كان صادماً، حيث لم ينجح يوفيتش في التأقلم مع ضغط القميص، ولعب دوراً هامشياً للغاية، الإحصائيات هنا هي القصة الأكثر إيلاماً: سجل يوفيتش 3 أهداف فقط وقدم 5  تمريرات حاسمة خلال 51  مباراة لعبها مع النادي، المبلغ المدفوع في يوفيتش لم يكن مجرد استثمار؛ بل كان رهاناً على المستقبل خسرته الإدارة بالكامل، خصوصاً أنه غادر في نهاية المطاف مجاناً في 2022، بعد مسيرة إعارة غير موفقة، لقد تبخر مبلغ الـ 66  مليون يورو بالكامل دون أي مردود يُذكر في الملعب، لتصبح صفقة يوفيتش دليلاً صارخاً على أن التألق لموسم واحد لا يضمن النجاح في "البرنابيو"، ويجعلها فشلاً كشفياً ومالياً لا يغتفر.

💥 إيدن هازارد: الكارثة المدوّية وصفعة التوقعات (2019)

إذا كانت صفقات النجوم السابقة مؤلمة، فإن صفقة البلجيكي إيدن هازارد هي الكارثة المدوية التي جسدت قمة الفشل المالي والإصابات، وصل هازارد في صيف 2019 قادماً من تشيلسي، في صفقة بلغت قيمتها النهائية حوالي 120 مليون يورو (مع المتغيرات)، ليصبح أغلى صفقة في تاريخ النادي، متفوقاً على غاريث بيل، بل وكان يُشار إليه على أنه "الغالاكتيكو" الذي سيسد الفراغ الذي خلفه رحيل كريستيانو رونالدو، التوقعات كانت هائلة، حيث كان هازارد النجم الأوحد لتشيلسي، وقائدهم الذي حصد لهم لقبين في الدوري الإنجليزي، وكان يُعتبر أحد أفضل ثلاثة أجنحة في العالم.

لكن المردود كان عكس التوقعات بـ 360 درجة؛ فمنذ إصابته الأولى في الكاحل التي أدت إلى سلسلة لا تنتهي من المشاكل الجسدية، لم يعد هازارد أبداً إلى مستواه، الإحصائيات تعكس حجم الخسارة: سجل 7  أهداف فقط في جميع المسابقات على مدار أربع سنوات، ولعب 76  مباراة فقط، إن التكلفة البالغة 120  مليون يورو، إلى جانب الراتب الخيالي، مقابل هذا المردود الضئيل، يضع الصفقة في منزلة الإخفاق التاريخي، لقد انتهى الأمر بفسخ عقده بالتراضي قبل عام من نهايته، ليتبخر المبلغ القياسي بالكامل، صفقة هازارد لم تكن مجرد فشل فني، بل كانت دليلاً قاسياً على أن "الغالاكتيكوس" يمكن أن يصبحوا عبئاً مالياً ثقيلاً، ويجعلها بلا منازع الصفقة الأسوأ في تاريخ ريال مدريد الحديث بالمعايير المالية والرياضية.

🌟 عابرون لم يتركوا أثرًا… صفقات لم تكتمل حكايتها

إن قائمة صفقات ريال مدريد التي فشلت في تحقيق التوقعات تطول، وهي دليل على أن ضغط القميص الأبيض لا يرحم حتى النجوم العالميين، فهناك أسماء جاءت وذهبت بسرعة خاطفة، تاركة وراءها علامات استفهام ضخمة، نتذكر المهاجم الفرنسي نيكولا أنيلكا، الذي وصل في عام 1999 مقابل 35 مليون يورو لكنه رحل بعد موسم واحد فقط لم يحقق فيه أي مردود يذكر، وفي عهد "الغالاكتيكوس" الأول، جاء مايكل أوين، الفائز بالكرة الذهبية، في عام 2004، لكنه اكتشف أن النجاح في ريال مدريد أصعب بكثير من التوهج في إنجلترا، ليقضي موسماً وحيداً ويُباع لاحقاً، وفي السنوات الأخيرة، كان إيارامندي (32 مليون يورو)، وثيو هيرنانديز مثالين على المواهب الواعدة التي لم تستطع الصمود أمام المقارنات والضغوط، ليُباعا بعد فترات قصيرة، مؤكدين أن الفشل في البرنابيو لا يقتصر على تكلفة الصفقة فحسب، بل على عدم امتلاك "عقلية الميرنغي" الصارمة.

ضريبة العظمة وسر العقلية الملكية

النجاح في ريال مدريد ليس بالسهولة التي تبدو عليها، فالتاريخ يقول إن "الميرنغي" لا يحتاج فقط إلى لاعب موهوب أو مهارات فردية، بل يحتاج إلى عقلية تتحمل العظمة، وإرادة تقاوم لعنة الإصابات، وقدرة على الصمود في مواجهة ضغط القميص الأبيض الذي لا يرحم،ـ اللاعبون الفاشلون لم يكونوا سيئين، بل كانوا مجرد أسماء لم تستطع تحمل هذه "الضريبة الملكية" الباهظة.

ويبقى السؤال مفتوحًا أمامك أيها القارئ:

برأيك، ما هي الصفقة الأسوأ في تاريخ ريال مدريد الحديث؟


تعليقات