لويس ناني: الرجل الذي عاش في كالوس مسرح "الدون"

لويس ناني: الرجل الذي عاش في كالوس مسرح "الدون"

قصة لويس ناني الكاملة؛ من طفولة قاسية في أمادورا إلى مجد مانشستر يونايتد. كيف كان ناني الضحية الكبرى للمقارنة مع رونالدو؟ رحلة بطل الظل في يورو 2016.

حين تمشي في الطريق نفسه… لكنك لا تصل إلى الضوء

تخيل أنك تملك كل شيء؛ السرعة التي تسبق الريح، المهارة التي تُخجل المدافعين، والقدرة على الطيران لتسجيل الأهداف "الأكروباتية"، تخيل أنك تخرج من نفس الأكاديمية (سبورتينغ لشبونة)، ترتدي نفس القميص، وتنتقل إلى نفس النادي الأعظم في إنجلترا (مانشستر يونايتد) لتسلك الطريق ذاته الذي سلكه أعظم لاعب في تاريخ بلادك.

 لكن، وبدلاً من أن تُرفع على الأعناق كبطل، تجد نفسك دائماً "النسخة" التي تُقارن بالأصل، والرجل الذي يأتي دائماً في المرتبة الثانية بعد "كريستيانو رونالدو".

هذا هو قدر لويس ناني، الرجل الذي امتلك سحراً برازيلياً بصبغة برتغالية، والذي كان يراوغ ببهجة طفل في السيرك، لكنه كان يفعل ذلك خلف ستار كثيف ألقاه عليه وهج رونالدو الساحق، في كل مرة سجل فيها ناني هدفاً عالمياً، كان الجمهور يسأل: "هل سيفعلها رونالدو غداً؟". وفي كل مرة صنع فيها عرضية متقنة، كان الإعلام يقارن توقيتها بتوقيتات الدون، لقد عاش ناني مسيرته كلها في "مرآة" لم يطلبها، وظل يحارب ليثبت أنه "ناني" وليس "رونالدو الجديد"، ليصبح بطلنا اليوم في سلسلة أساطير الظل.

من جوع "أمادورا" إلى أضواء "أولد ترافورد"

خلف تلك الاحتفالات الشهيرة بالقفزات الهوائية (Backflips) التي كانت تُشعل مدرجات مانشستر، تكمن قصة طفل لم يكن يملك ثمن الحذاء الذي يقفز به، وُلد لويس كارلوس ألميدا دا كونها، المعروف بـ "ناني"، في حي أمادورا البسيط على أطراف لشبونة، البرتغال — مكان بعيد كل البعد عن أضواء الملاعب الأوروبية.

خلف ابتسامة الطفل الفتيّة، كانت معركة الحياة تُكتب قبل أن يبدأ حلم كرة القدم نفسه، هجره والده، وبعد فترة قصيرة لحقت به والدته، ليجد ناني نفسه وحيداً مع عمته "أنتونيا" في كوخ صغير يفتقر لأدنى مقومات الحياة، كان ناني يذهب للتدريب في نادي "ريال ماساما" سيراً على الأقدام لعدة كيلومترات لأنه لا يملك ثمن التذكرة، وكان الجوع رفيقه الدائم في تلك الرحلات.

النادي أعطاه أول فرصة حقيقية، حتى أنه دعمه بأموال، وطعام، وسجّل له بطاقة الهوية وجواز السفر — و في سن السادسة عشرة كان يشارك في التدريبات بين سبورتينغ لشبونة وبنفيكا، وسرعان ما جذب انتباه كشّافي سبورتينغ.

كان يقطع أحيانًا أميالًا سيرًا على الأقدام ذهابًا وإيابًا من التدريب، ولأن كرة القدم لا تنسى من يكافح لأجلها… استطاع ناني أن يلفت الأنظار ويثبت نفسه في فرق الشباب، كان ذلك بداية قصة صعود غير تقليدية؛ فتى خرج من أحياء الفقر، عاش جوع الألقاب، ووجد طريقه… إلى أولد ترافورد، حيث أصبحت موهبته النارية مألوفةً في أهم ملاعب العالم.

-         يتذكر ناني تلك الأيام قائلاً: "عشت طفولتي في مكان صعب… لم يكن هناك الكثير من المال أو الرفاهية، لكن كرة القدم كانت دائمًا مرآتي للخروج من ذلك المكان. كنت أتعلّم أكثر من مجرد مهارة على العشب، كنت أتعلم كيف أقاتل وأعمل بجد في كل يوم لأنني أردت أن أُثبت لنفسي ولكل من حولي أنني أستحق الفرصة. لا أنسى أبداً الأوقات التي كنت أشارك فيها الوجبة القليلة مع عائلتي ثم أخرج لأتمرّن تحت الشمس الحارقة… لأنني كنت أعلم أن هذا الطريق الذي اخترته يمكن أن يغيّر حياتي."

مانشستر يونايتد: صراع الهوية والعيش في "الظل الكبير"

حين وصل ناني إلى مانشستر يونايتد صيف 2007، كان المشهد مكتمل الأركان… مسرح جاهز، أضواء كاشفة، ونجمٌ واحد يحتكر السماء: كريستيانو رونالدو، الطريق الذي سلكه ناني كان هو نفسه طريق رونالدو: سبورتينغ لشبونة، جناح شاب، موهبة خام، ومدرب يؤمن بالتطوير لا بالنجومية المبكرة، لكن القدر قرر أن تكون الأدوار مختلفة.

في أولى أيامه في «أولد ترافورد»، لم يُنظر إلى ناني كموهبة مستقلة، بل كـ نسخة ثانية، مقارنة قاسية لاحقته في كل لمسة وكل مراوغة، الصحافة الإنجليزية لم تمنحه وقتًا للتنفس وكانت تتسآل دائماً: “هل هو رونالدو الجديد؟” سؤال بدا في ظاهره مديحًا، لكنه في الحقيقة كان فخًا نفسيًا.

السير أليكس فيرغسون نفسه أشار لاحقًا في مذكراته إلى أن ناني كان يحتاج وقتًا أطول للنضج الذهني، لأنه جاء في فترة بلغ فيها رونالدو ذروة التفوق البدني والفني.

بين 2007 و2009، كان ناني يتقدم خطوة… ويتراجع خطوتين، كلما أخطأ قورِن، كلما تألق، قيل إن ذلك طبيعي بجوار رونالدو، لم يكن الصراع فنيًا فقط، بل صراع هوية: هل يكون ناني نفسه؟ أم يحاول تقليد الرجل الذي يقف إلى جواره؟

رحيل رونالدو إلى ريال مدريد عام 2009 بدا وكأنه لحظة التحرر فجأة، أصبحت الأضواء تبحث عن وريث، ناني حاول أن يمد يده للعرش، وقدم أفضل فتراته بين 2010 و2012، خصوصًا في موسم 2010-2011 قدم واحداً من أعظم المواسم لجناح في تاريخ الدوري الإنجليزي، في ذلك الموسم، كان ناني هو أفضل صانع ألعاب في البريميرليج (14 تمريرة حاسمة) وسجل 9 أهداف، واختير كأفضل لاعب في مانشستر يونايتد من قبل زملائه، ومع ذلك، كان الإعلام يقارنه بـ "أشباح" الماضي كان ناني يراوغ ثلاثة مدافعين ويمرر كرة حاسمة، فيقول المحللون: "لكن رونالدو كان ليسجلها بنفسه". لقد كان ناني يحارب عدواً غير مرئي.

في مانشستر يونايتد، لم يفشل ناني… لكنه أيضًا لم يُسمح له أن يكون كاملًا عاش في ظل نجمٍ أكبر من النادي نفسه، وخرج من التجربة محمّلًا بالألقاب، لكن مثقلاً بسؤالٍ لم يغادره أبدًا:

ماذا لو جئت قبل رونالدو… أو بعده؟

المهارة المظلومة: لماذا كان ناني "ساحراً" لم يفهمه الجميع؟

الجناح البرتغالي لويس ناني، لا يمكن اختصار لعبه في أرقامٍ جامدة أو أهدافٍ فقط، ناني كان فنانًا على العشب — لاعبًا يجعل من كل لمسةٍ فرصةً للدهشة، ومن كل مراوغةٍ لوحةً فنية، مهاراته كانت تتجاوز الكفاءة التكتيكية العادية، فهي امتزاج بين السرعة والموهبة والإبداع الذي يشبه عروض السيرك: سريعة، مفاجِئة، وجاهزة دائمًا لإبهار المتفرّج.. حيث كان يمتلك:

1-     السرعة والمراوغة: ناني يمتلك قدرة مذهلة على المراوغة والتحكم في الكرة تحت الضغط، ما مكّنه من تجاوز المدافعين بلمسةٍ واحدة أو بتغيير اتجاهٍ غير متوقع.

2-     اللعب بكلتا القدمين: تميز ناني بقدرته النادرة على اللعب بكلتا القدمين، ما أعطاه ميزة ازدواجية الهجوم: سواءً كان يُرسل عرضيات دقيقة للمهاجمين، أو يسدد بقوة في أي اتجاه، كان دفاع الخصم لا يعرف أي قدمٍ ستنطلق منها الكرة.

3-     العرضيات السامة: لم تكن عطاءاته من طرف الملعب عادية؛ بل كانت عرضيات سامّة تشكّل تهديدًا دائمًا أمام منطقة الجزاء. في كثيرٍ من الأحيان كانت تلك الكرات هي بداية الهدف قبل أن يتحوّل الختام إلى قاموس المهاجمين.

العبقري مقابل الأرقام: لماذا لم يفهم الجميع ناني؟

ولكن، لأن ناني كان يلعب في عصر "الأرقام الساحقة"، تم تجاهل قيمته الفنية، كان يُنظر إليه كلاعب "مزاجي"، رغم كل هذه المهارات، لم يُفهَم أحيانًا من الجماهير أو الإعلام باعتباره جناحًا كلاسيكيًا، السبب ليس نواقص فنية — بل أن أسلوبه الساحر والعفوي كان غالبًا بلا ترتيب تكتيكي صارم.

 لكن الحقيقة أن ناني لم يكن جناحًا عادياً يمكن وضعه في مصفوفة الإحصاءات فقط؛ بل كان سيركًا كرويًا متنقلًا — لاعبٌ يفهم اللعبة بطرق لا يراها إلا من يدرك أن كرة القدم ليست فقط أهدافًا… بل لحظاتٍ تبقى في الذاكرة.

لحظة الحقيقة: يورو 2016 والتاج الذي ارتداه ناني سراً

طوال مسيرته مع منتخب البرتغال، عاش ناني التناقض نفسه الذي لازمه في الأندية: موهبة كبيرة، حضور مؤثر، لكن الأضواء دائماً كانت مسلطة على اسمٍ واحد فقط، عانى من المقارنات، من الشك، ومن تذبذب الثقة الجماهيرية، رغم أنه كان حاضرًا في اللحظات الصعبة، ومفيدًا عندما تتعقد المباريات.

ثم جاءت يورو 2016… البطولة التي أعادت تعريفه.

دخل ناني بطولة يورو 2016 وهو يحمل إرثًا ثقيلاً من الشكوك، ومكانةً ظلّت دائمًا مرتبطة بوجود رونالدو، لكن البطولة الفرنسية تحولت تدريجيًا إلى مسرح استعاد فيه ناني قيمته الحقيقية، على مدار المشوار، لم يكن مجرد جناح مهاري، بل لاعبًا حاسمًا في الثلث الأخير: سجل 3 أهداف كاملة — نفس عدد أهداف رونالدو — وصنع هدفًا، مساهمًا بشكل مباشر في وصول البرتغال إلى النهائي.

وفي نهائي باريس، سقط كريستيانو باكيًا بعد الإصابة، وسقط معه اعتقاد البرتغاليين بأن الحلم انتهى، لكن داخل الملعب، لم يسقط ناني ارتدى شارة القيادة بهدوء، دون خطابات أو استعراض، لعب 120 دقيقة من الانضباط والصلابة، هاجم حين لزم، دافع حين تطلب الأمر، وحافظ على توازن فريق كاد أن ينهار نفسيًا.

 عندما سجل إيدير هدف المجد، كان ناني قد أنجز مهمته بالفعل: إبقاء البرتغال واقفة حتى النهاية، والمفارقة القاسية أن الذاكرة الجماعية تتذكر دموع رونالدو، وتنسى أن ناني كان القائد الفعلي داخل الملعب، وواحدًا من هدافي البطولة بثلاثة أهداف في تلك الليلة، لم يكن ناني الرجل الثاني… كان الرجل الضروري.

الهروب من المرآة.. والبحث عن الهوية

تنتهي رحلة لويس ناني برحيله عن مانشستر يونايتد، وكأنها لحظة كسر للمرآة التي لازمته لسنوات، في محطاته اللاحقة بين فنربخشة، فالنسيا، لاتسيو، ثم ملبورن، لم يعد مطالبًا بأن يكون نسخةً من أحد، بل عاد ليكون نفسه فقط، هناك بعيدًا عن ضغط المقارنات وعناوين “الرجل الثاني”، كان ناني ينثر بقايا سحره بهدوء، لاعبًا يستمتع بالكرة كما أحبها طفلًا في شوارع أمادورا، لا كأيقونة مطاردة بالأرقام، بل كفنان حر.

قصة ناني ليست عن الفشل، بل عن القسوة التي يفرضها السياق، قد تكون موهوبًا، قد تصنع الفارق، لكنك إن لعبت بجوار “ظاهرة تاريخية”، قد تُختزل قصتك ظلمًا في الظل. ناني لم يكن خصمًا لرونالدو، بل صديقه ورفيق رحلته، لكنه دفع ثمن تلك المرآة التي لاحقته في كل تقييم ومقارنة ومع ذلك، غادر الملاعب الكبرى وهو مدرك لحقيقته: لم يكن “رونالدو الجديد”، بل كان ناني الوحيد؛ اللاعب الذي اختار الرقص تحت المطر بينما كان الجميع يرفع رأسه ليراقب البرق.

والآن، بعد أن طوينا صفحة ناني، يبقى السؤال مفتوحًا:

🔥 السؤال النقاشي: من برأيكم هو "أسطورة الظل" القادمة؟ والذي يستحق أن يكون بطل مقالنا القادم ليكشف التاريخ عن تأثيره غير المرئي!


تعليقات