ديفيد سيلفا: الساحر الذي ظلمته الأضواء في جيل العمالقة

ديفيد سيلفا: الساحر الذي ظلمته الأضواء في جيل العمالقة

اكتشف القصة الحقيقية لديفيد سيلفا، "المايسترو" الذي بنى الجيل الذهبي لمنتخب إسبانيا ومانشستر سيتي في صمت. مقال حصري يكشف ظلم الأضواء لأحد أعظم صانعي اللعب في سلسلة "أساطير الظل".

لطالما عُرفت كرة القدم الإسبانية بقدرتها الفريدة على توريث العبقرية، إنها أفياء من الموهبة تتناقل عبر الأجيال، وخصوصاً الجيل الذهبي جيل الألفية، الذي وضع أسم إسبانيا في قمة خريطة كرة القدم، حين نتحدث عن هذا الجيل في خط الوسط، تتدفق الأسماء كالقصائد: تشافي، إنييستا، ألونسو، ثم بوسكيتس وفابريجاس، هؤلاء هم العناوين التي لا يمكن تجاهلها.

ولكن في زحمة العناوين، وفي ظل ضخامة هذه الأسماء، ننسى دائمًا ذلك الاسم الذي كان ينسج خيوط السحر خلف الكواليس، إنه الفنان الصامت، المايسترو الخفي الذي يمرر الكرات كرسائل مكتوبة بأناقة، إنه الساحر ديفيد سيلفا، إنه أسطورة الظل الثانية معنا، اللاعب الذي كان تأثيره يعادل عظمة زملائه، لكنه اختار طواعية أن يقدم المجد على أنغام صامتة.

من فالنسيا إلى تمثال الخالدين: "مرلين" مانشستر سيتي

تبدأ قصة الاعتراف المتأخر بـ ديفيد سيلفا على أرض الانجليز، عندما وصل الإسباني في عام 2010 الي مانشستر سيتي، لم يكن السيتي النادي العملاق الذي نعرفه اليوم، بل كان مشروعًا طموحًا يبحث عن أساس صلب يبنى عليه، وكان الاسباني هو الحجر الأساس.

كان "إل ماجو" (الساحر)، كما يُطلق عليه في إسبانيا، هو العقل المدبر الذي حول فوضى الانتقالات الثرية إلى سيمفونية كروية، لقد تحول سيلفا بمروره القصير وذكائه الحاد، إلى قلب مشروع السيتي النابض لمدة عشر سنوات كاملة، حصد أربع ألقاب دوري إنجليزي، ولقبين لكأس الاتحاد، وخمسة ألقاب لكأس الرابطة، محققًا كل لقب ممكن محليًا.

كانت نهايته مع النادي لحظة اعتراف تاريخية بجميل هذا اللاعب الصامت، فبعد رحيله في 2020، لم تتردد إدارة النادي في الإعلان عن قرار غير مسبوق: تشييد تمثال له خارج ملعب الاتحاد، إلى جانب تمثال فينسنت كومباني، لم يكن الأمر مجرد تكريم، بل كان شهادة ضمنية على أن تأثير ديفيد سيلفا تجاوز الأهداف والتمريرات؛ لقد كان مؤسسًا لثقافة النصر والجمالية في النادي.

صعود الساحر الإسباني: من "المستعارة" إلى "المايسترو"

لم يكن طريق ديفيد سيلفا إلى القمة معبدًا بالورود، بدأت رحلته في أكاديمية فالنسيا، لكنه لم يجد موطئ قدم دائمًا في الفريق الأول مبكرًا بسبب صغر حجمه وهدوء شخصيته، لذلك اضطرته الإدارة إلى رحلات إعارة قصيرة، كانت بمثابة صقل لموهبته الخام، تألق سيلفا في صفوف إيبار ثم سيلتا فيغو، حيث أثبت أنه يمتلك عقلًا كرويًا استثنائيًا يغطي على قلة قوته البدنية، عاد إلى فالنسيا ليصبح نجم الفريق الأول وصانع ألعابه الأهم، ليلفت أنظار أوروبا، هذا المسار المتدرج جعله يترك إسبانيا وهو في أوج نضجه الفني متجهاً إلى إنجلترا، بدأ رحلة غير اعتيادية، لم يكن قائدًا بالزعامة الصاخبة، بل كان الفنان الهادئ الذي يتحرك بين الخطوط، يمرّر، يُراوغ، يصنع، يسكت الأصوات، ثم يترك الملعب بابتسامة هادئة وصمتٍ مُعبّر، وبعد سنوات المجد في مانشستر سيتي، اختار العودة مجددًا إلى بلده ليختم مسيرته بأناقة مع ريال سوسييداد، مؤكداً وفاءه لجذوره ولفلسفته: أن تلعب كرة قدم جميلة وبسيطة، بعيداً عن صخب الأضواء.

ظلم الجيل الذهبي: عبقرية تُغطي عليها النجومية

إن أكبر قدر من الظلم الإعلامي الذي تعرض له ديفيد سيلفا كان في صفوف منتخب إسبانيا، تخيل لاعبًا يتألق في فالنسيا، وينتقل ليؤسس مجدًا في مانشستر سيتي ويصبح أحد أفضل صانعي اللعب في العالم، لكن هذا كله لم يشفع له في موطنه، كان خط وسط "لا روخا" وقتها أشبه بمكتبة عمالقة: تشافي، إنييستا، ألونسو، وفابريجاس، بوسكيتس.. هذه زحمة النجوم هي ما منعت "المايسترو" من الحصول على الإضاءة التي يستحقها.

في يورو 2008، كانت بصمته واضحة: بدأ البطولة كلاعب أساسي في ست مباريات، وسجل هدفاً حاسماً في نصف النهائي ساهم في تتويج إسبانيا باللقب الأول، لكن مجد اللقب سرعان ما التصق بالأسماء المعتادة.

أما في كأس العالم 2010، فكانت القصة أكثر إيلاماً: بدأ سيلفا المباراة الافتتاحية التي خسرتها إسبانيا أمام سويسرا (0-1) بعد تلك الخسارة الصادمة، قرر المدرب فيسنتي ديل بوسكي إجلاس سيلفا على مقاعد البدلاء، مفضلاً التركيبة التي تعتمد على أسماء برشلونة وريال مدريد، اختفى سيلفا تقريباً من التشكيلة، ولم يشارك في المباراة النهائية على الإطلاق، ليحمل ميدالية البطولة العالمية وهو يشعر بالمرارة لغيابه عن المشهد الأهم.

لكنه عاد في يورو 2012 ليفرض نفسه بقوة، بدأ سيلفا كل المباريات كلاعب أساسي، وقدم أداءً خرافياً توّجه بتسجيل هدفين وصناعة ثلاثة أهداف، متضمناً هدفاً في المباراة النهائية أمام إيطاليا، واختير ضمن تشكيلة أفضل اللاعبين، ورغم كل ذلك لو سألت أي مشجع الان عن بطل يورو 2012، ستنهال الإجابات على إنييستا وتشافي وألونسو، ولن يتذكر أحد الأداء الأيقوني لـ ديفيد سيلفا على الإطلاق.

هذا التناقض هو جوهر أسطورة الظل؛ أن تكون فعالاً وحاسماً، لكنك تختفي عند لحظة التقاط الصور التذكارية. سيلفا كان الجندي الذي يحمل عبء المعركة التكتيكية، ثم يترك القائد يرفع السيف.

💡 خلاصة الظل: العادل مع اللعبة

واليوم، ونحن ننظر إلى تمثال ديفيد سيلفا أمام ملعب الاتحاد، يتبادر إلى أذهاننا تساؤل: هل المجد حقاً لا يُمنح إلا لمن تصدّر الصفحات الأولى؟

إن مسيرة سيلفا هي الرد الحاسم: المجد ليس دائمًا مطلباً، بل هو إرث يُبنى في الصمت، لقد حقق سيلفا كل لقب محلي ممكن مع مانشستر سيتي ليصبح مؤسساً لعهد النادي الذهبي، وفاز بكل بطولة كبرى مع إسبانيا ليصبح شريكاً كاملاً في جيلها الأعظم، ومع ذلك، لم يبحث يومًا عن الأضواء، كان يتقبل دوره كـ "أسطورة الظل"، يعلم أن عبقريته لا تحتاج إلى عناوين صاخبة لتثبت وجودها.

لقد كان سيلفا عادلاً مع اللعبة؛ منحها فنه الخالص وذكاءه الحاد وحصاده من الألقاب، فكافأته اللعبة بالخلود في ذاكرة العارفين والعاشقين للساحرة المستديرة، إنه نموذج نادر للاعب الذي يضع المجموعة فوق الفرد، ويُثبت أن أعظم النجوم هم أولئك الذين يضيئون المسرح لغيرهم، وان المجد كان دائمًا لمن صنع المجد لغيره.

والان لقد كشفنا الستار عن ثاني أساطير الظل، لكن في عالم كرة القدم الشاسع، هناك نجوم كثيرون قدموا الكثير، وظلمتهم الأضواء.

🔥 من برأيكم هو "أسطورة الظل" القادمة؟ من الذي يستحق أن يكون بطل مقالنا القادم؟!


تعليقات