العرض الذي حير العالم
في صيف 2013، كانت كرة القدم على موعد مع واحدة من أكثر
اللحظات عبثية وسخرية في سوق الانتقالات، لويس سواريز، ذلك المفترس القادم من
أوروغواي، كان يعيش ذروة توهجه بقميص ليفربول، يقدّم موسماً خارقاً جعل اسمه على
قائمة كل نادٍ، لكن عينيه كانتا تترقبان بشدة بريق دوري أبطال أوروبا الغائب عنه
"الريدز"
بعد رفض ليفربول عرضاً أولياً لضم سواريز مقابل 30 مليون + 5 ملايين أضافية، تم إبلاغ الرئيس التنفيذي لآرسنال، إيفان غازيديس، بأن ليفربول لن يفكّر حتى في عرض بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني! لتستيقظ الصحف الإنجليزية على واحدة من أغرب العناوين في تاريخ سوق الانتقالات في الدوري الإنجليزي…
«أرسنال يتقدم بعرض 40 مليون + 1 جنيه أسترليني لضم لويس سواريز»!
نعم، جنيه إسترليني واحد فقط أضيف على المبلغ اعتقاداً منهم
أن هذا الرقم الساحر سيفعّل بنداً سرياً في العقد، يُجبر إدارة ليفربول على إبلاغ سواريز
باهتمام "المدفعجية" والسماح له بالتفاوض.
كانت الصحف تتندر، والمحللون يسخرون، والجماهير لا تصدق أن
واحدًا من أكبر أندية إنجلترا حاول كسر سوق الانتقالات… بالجنيه الإضافي!
لكن داخل ليفربول، لم يكن هناك أي مجال للضحك رُفض العرض
فورًا وبغضب، وجاء رد أخر وحاسماً من مدرب الفريق، بريندان رودجرز الذي قال
بمرارة: "عندما تفكر في أن كافاني قد ذهب الي باريس سان جيرمان مقابل
55 مليون جنيه إسترليني، فأنت تعلم أن لويس من بين أفضل المواهب، من الواضح أن عرض
آرسنال لم يكن مناسبًا لهذه الموهبة، وحتى لو عادوا بهذا المبلغ [55 مليون جنيه
إسترليني]، فلا يوجد ضمان لبيعه لأننا نسعى لبناء شيء ما هنا".
في خضم الصراع، كان هناك صوت واحد قادر على تهدئة العاصفة،
ستيفن جيرارد، قلب ليفربول النابض وقائده الأبدي، جلس مع سواريز، حدّثه، أقنعه بأن
ينتظر عامًا إضافيًا، حتي
يكون العرض القادم من نادٍ أفضل مثل ريال مدريد أو برشلونة !
لكن السؤال الذي يغير مسار التاريخ هو: ماذا
لو تجاهل سواريز نصيحة جيرارد، ووافق على عرض آرسنال؟
قناعة فينجر: بناء
الإمبراطورية حول سواريز
بعد أيام من حديثه مع جيرارد، بدأ سواريز يميل للبقاء… لكن
المقربين منه كانوا يرون الصورة من زاوية مختلفة. قالوا له: "اذهب
واجلس مع فينجر لن تخسر شيئاً، استمع فقط "
وهكذا، فتح الباب الذي لم يخطط لفتحه—باباً سيغيّر شكل
الكرة الإنجليزية والعالمية لو عبره بالفعل.
بناء الفريق حول سواريز
في أحد مكاتب آرسنال الهادئة بلندن، جلس آرسين فينجر أمام
سواريز، لم يكن هذا مجرد اجتماع، بل محاولة لإعادة كتابة مصير نادٍ كامل، تجاوز
فينجر كل ضجيج السخرية من عرض "40 مليون + 1"، تجاوز شعور اللاعب
بالإهانة، وذهب مباشرة إلى قلبه.
وقال له بلهجته الهادئة التي تخفي ناراً تحت الرماد:
-
"نحن
لا نريدك كصفقة، نحن نريدك كأساس، نحتاج روحك القتالية الجامحة… هي ما نفتقده منذ سنوات.
لويس، أنت القطعة الناقصة التي ستعيد آرسنال إلى حقبة اللا هزيمة، وتُكسر سنوات الجفاف،
أنت هنا لن تصبح نجماً، بل ستصبح أسطورة خالدة، أنت الذي سوف يعيد لقب الدوري
الانجليزي مرة أخري الي النادي"
هكذا خاطبه فينجر، واضعاً الكلمة المفتاحية على الطاولة: لقب
الدوري الإنجليزي.
كان سواريز ينظر إليه بصمت، الكلمات لم تكن مجرد وعود، بل
كانت رؤية، مشروع معنى، شيء لم يشعر به منذ فترة في ليفربول.
وفي لحظة، بدأ كل شيء يتغيّر، وفي لحظة أخري تغيرت خارطة
سوق الانتقالات، لقد وافق سواريز علي العرض !
كيف انقلب ميزان القوة في البريميرليغ؟
انتقال سواريز لم يكن مجرد صفقة؛ بل كان زلزالاً كروياً هز
أركان البريميرليغ:
- قوة هجومية ساحقة: أضاف سواريز (الذي يجمع بين الغزارة التهديفية والروح القتالية) إلى جيل آرسنال الموهوب (أوزيل "التعاقد الثاني في ذلك السوق"، رامزي، وويلشير) امتلك آرسنال فجأة القوة النارية والفعالية أمام المرمى التي افتقدها منذ رحيل هنري، مانحاً فينجر الأبعاد التي يحتاجها لفك شفرات دفاعات الكبار.
- منافسة القوى الكبرى: تغيرت المنافسة من سباق ثلاثي (السيتي، تشيلسي، ليفربول) إلى صراع شرس بين آرسنال والسيتي وتشيلسي، الذي أصبح بوجود سواريز، قادراً على تحقيق الانتصارات الحاسمة.
- سقوط ليفربول وغياب القوة
النارية: فقدان ليفربول لسواريز يعني أنهم لن يمتلكوا القوة النارية الكافية لمنافسة
علي لقب البريميرليغ في ذلم الموسم، دون سواريز، لم يكن أمام الفريق من يقودهم
إلى الأمتار الأخيرة، مما جعل ليفربول 2014 لا يتجاوز المركز الرابع، منهياً حلمهم
باللقب مبكراً وبصمت.
آرسنال التاريخي… اللقب يعود بعد غياب طويل
في موسم 2013-2014، لم يكن آرسنال فريقاً جيداً فحسب، بل
تحول إلى آلة هجومية تكتيكية مرعبة، أثبت سواريز في ذلك الموسم أنه أفضل مهاجم في
العالم ببراعته وقدرته على التسجيل والصناعة، محققاً أرقاماً تهديفية قياسية.
ولم يكن وحده في رحلة الهيمنة؛ خلفه كان يقف صانع الأحلام
الألماني مسعود أوزيل، العقل الهادئ الذي يملك امتيازاً لا يملكه غيره: تمريرات لا
تُصدّق، كان أوزيل يمرر، وسواريز ينهي… معادلة بسيطة، لكنها قاتلة لكل دفاع
إنجليزي.
حولهما مزيج مذهل من الشباب والخبرة: رامسي في قمة توهجه،
كازورلا بقدمه السحرية، وجيرو الذي تحوّل إلى البديل المثالي لسواريز، إضافة إلى
مواهب صاعدة أعادت الحماس للفريق.
سيطر آرسنال على الدوري من البداية، لم يتلق آرسنال تلك
الهزائم الثقيلة والمحرجة التي اعتاد عليها، بل كسر عقدته الأبدية في ملعب
"أولد ترافورد" بفضل ثنائية سواريز القاتلة، كما ساهمت أهدافه الحاسمة
في عدم الخسارة في ملاعب البريميرليغ المعقدة.
دخل آرسنال الجولة الأخيرة وهو متصدّر… وليس هذا الخبر، بل
الخبر أن اللقب محسوم مسبقاً.
فازوا بثلاثية نظيفة، رفع اللاعبون الكأس، وقف فينجر يبتسم،
وصار سواريز بطل لندن الجديد، أسطورة المدفعجية، الرجل الذي أعاد للنادي هيبته
وحلمه.
لم يكن ذلك مجرد لقب…كان
إعلانًا بأن المشروع الذي حلم به فينجر لسنوات، وصل أخيراً.
وأن كل ما احتاجه — كان توقيع لويس سواريز فقط.
الواقع المؤلم: وتأثير
الدومينو التاريخي
بالعودة إلى الواقع، لم ينجح عرض الـ 40 مليون
وواحد أبداً،
رفض ليفربول العرض بسخرية ممزوجة بالغضب، ونجح القائد جيرارد في احتواء سواريز
وإقناعه بالبقاء موسماً إضافياً، هذا الرفض لم يكن مجرد قرار إداري؛ بل كان النقطة
المحورية التي غيرت مسار سوق الانتقالات في إنجلترا والعالم للأبد
ليفربول 2013–2014: موسم أسطوري لم يكن ليحدث بدون
سواريز
بعد تمسّك النادي بالهداف الأوروجوياني، انفجرت موهبته في
واحد من أعظم المواسم الفردية بتاريخ الدوري الإنجليزي مسجلاً 31 هدفاً، وقاد
ليفربول لسباق لقب لم يتوقعه أحد، في قصة درامية تُروى حتى اليوم، سجّل أهدافاً
عبثية جعلت الريدز يعيشون حلمًا كبيرًا انتهى بالسقوط والزحلقة الشهيرة لجيرارد
أمام تشيلسي… لكنه كان موسمًا لا يمكن تخيّله من دون قرار رفض عرض آرسنال.
آرسنال: موسم جيد… لكن بلا ثورة
في المقابل، دخل آرسنال الموسم نفسه وهو يعرف جيدًا أنه فقد
فرصة تاريخية، لم يدخل فينجر السوق
بحثاً عن مهاجم أخر، قدم الفريق مستوى جيدًا، توّج
نفسه لفترة قصيرة على القمة، لكنه افتقد ذلك المهاجم القادر على تغيير المعادلة،
إصابات متكررة، تذبذب في الأداء، وغياب اللاعب الحاسم جعل موسمهم أقرب إلى الفصل
المعتاد… بداية ممتازة، ثم سقوط هادئ وأنهوا السباق في
المركز الـ4 !
تأثير الدومينو الحقيقي… حين غادر سواريز إنجلترا
قرار سواريز بالبقاء عامًا إضافيًا بدفع من جيرارد رفع قيمته إلى مستوى خارق، وفي صيف 2014، جاء برشلونة ليخطفه، وتبدأ ملحمة الـMSN التي غيّرت شكل الكرة الأوروبية، رحيله لم يغيّر فقط مستقبل ليفربول وبرشلونة، بل كتب نهاية فرصة آرسنال في بناء مشروع هجومي كان يمكن أن يعيد النادي إلى الواجهة، لقد كان أثر سواريز سلسلة متلاحقة… خطوة تغيّر أخرى، حتى وجد الجميع نفسه أمام واقع جديد لم يكن ليحدث لولا «40 + 1 »
حكمة "الجنيه
الإسترليني" ومتاهة الأقدار
إن قصة سواريز وآرسنال 2013 تظل واحدة من أغرب قصص
"ماذا لو؟" وأكثرها ثراءً بالسيناريوهات المفتوحة، هذه اللحظة، التي
تمحورت حول جنيه إسترليني واحد، كانت كفيلة بتغيير خريطة كرة القدم العالمية
بالكامل.
ما حدث في صيف 2013 لم يكن مجرد مفاوضات فاشلة، بل كان نقطة
انكسار صنعت شبكة من الأسئلة التي لا تنتهي، فلو انتقل سواريز إلى آرسنال، لربما
انهار مشروع برشلونة الهجومي قبل أن يبدأ، وربما لم ير العالم ثلاثية الـMSN
التي
غيرت شكل كرة القدم الأوروبية، وعندها كان السؤال سيطرح نفسه: من اللاعب الذي كان
سيحمل لواء الهجوم في الكامب نو؟ هل كان سيذهب النادي إلى أغويرو؟ أم يتجه لخيارات
أكثر جنوناً مثل ليفاندوفسكي قبل انتقاله إلى بايرن؟ تلك الاحتمالات وحدها كانت
كفيلة بتغيير خرائط البطولات في أوروبا كاملة.
وعلى الضفة الأخرى، يبقى مصير آرسنال الحقيقي لغزاً يزداد
تعقيداً كلما تأملنا تفاصيله، نحن صنعنا سيناريو واحداً لما كان يمكن أن يحدث، لكن
ماذا لو قدّم سواريز موسماً خارقاً بالفعل؟ هل كان سيكتفي بلقب واحد ويقرر البقاء؟
أم كان ليعتبر النجاح منصة انتقال لنادٍ أكبر… إلى سيتي الأقوى مالياً؟ أم إلى
ريال مدريد الذي كان يبحث دائماً عن الهداف الأعنف؟ وربما كان سيذهب في النهاية
إلى برشلونة أيضاً، ولكن من باب آخر، بعد أن يصنع مجداً قصيراً في لندن، كل اتجاه
من هذه الاتجاهات يفتح قصة جديدة، ونهاية مختلفة للفريق وللنجم نفسه.
الأكثر قسوة هو مصير ليفربول؛ هل كان موسم 2013-2014 سيصبح
فعلاً موسم السقوط التام دون أهداف سواريز الـ 31؟ كان من المحتمل أن يتراجع
ليفربول إلى منتصف الجدول، وتتأخر عودته إلى قمة المنافسة لسنوات أطول.
في النهاية، تبقى قصة سواريز مع آرسنال أكثر من مجرد «صفقة
لم تتم»؛ إنها مرآة تعكس هشاشة الخط الفاصل بين التاريخ والخيال، خطوة واحدة فقط
كانت كفيلة بتغيير شكل دوري كامل، ومسيرة ثلاثة أندية، ومصير لاعب واحد كان يمكن
أن يصبح رمزاً لنادٍ آخر تماماً، وبين كل تلك الاحتمالات، يبقى هذا السيناريو الذي
اخترناه مجرد فصل واحد من كتاب لم يُكتب… لكنه يظل من أجمل القصص التي يمكن أن
نتخيلها، لأن كرة القدم ليست فقط ما حدث… بل أيضاً ما كان يمكن أن يحدث لو لم
يتدخل «جنيه واحد» في اللحظة الخطأ.
المصادر
1- أرسنال
يقدم 40 مليون جنيه إسترليني بالإضافة إلى جنيه إسترليني واحد لضم سواريز
2- سواريز:
لعب جيرارد دور "كبير" في بقائي